القوة القاهرة ونظرية الظروف الطارئة عند تفشي الاوبئة والكوارث
م.م صخر احمد نصيف
لا يخفى على احد ان تنفيذ الالتزامات العقدية واجب في ذمة طرفي العقد اعمالاً لسلطان الارادة وهذا ما عبر عنه القانون المدني العراقي رقم 40 لسنة 1951حيث نص صراحة في المادة 146 منه على (1 – اذا نفذ العقد كان لازماً ولا يجوز لاحد العاقدين الرجوع عنه ولا تعديله الا بمقتضى نص في القانون او بالتراضي ) وهنا نجد بانه لايجوز لاحد المتعاقدين اعفاء نفسه من التزام ترتب في ذمته الا بنص القانون او باتفاق الطرفين , الا ان القوة القاهرة المنصوص عليها في المادة 168 من القانون المدني العراقي والتي نصت على (اذا استحال على الملتزم بالعقد ان ينفذ الالتزام عيناً حكم عليه بالتعويض لعدم الوفاء بالتزامه مالم يثبت استحالة التنفيذ قد نشأت عن سبب اجنبي لايد له فيه ,كذلك يكون الحكم اذا تاخر الملتزم في تنفيذ التزامه ) فهنا نجد عبارة السبب الاجنبي الذي يعفي من تنفيذ الالتزام, والتي تعتبر القوة القاهرة احد حالات تحققه وفق المادة 211 من ذات القانون والتي نصت على (اذا اثبت الشخص ان الضرر نشأ عن سبب اجنبي لا يد له فيه كافة سماوية او حادث فجائي او قوة قاهرة او فعل الغير او خطاء المتضرر كان غير ملزم بالضمان مالم يوجد نص او اتفاق على غير ذلك ),ونص القانون على اعفاء المدين من تنفيذ الالتزام في المادة 425 من القانون المدني العراقي فيما يلي نصها (ينقضي الالتزام اذا اثبت المدين ان الوفاء به اصبح مستحيلاً لسبب اجنبي لا يد له فيه ) ومن هنا كانت القوة القاهرة احد حالات السبب الاجنبي الذي يحول بين تنفيذ الالتزام من قبل احد طرفي العقد, وهذه الحالة تجعل تنفيذ الالتزام مستحيلاً فيعفى من الضمان , ولكن ان كان تنفيذ الالتزام ليس مستحيلاً ولكن فيه ارهاق للمدين ويتسبب له بخسارة فادحة يصار الى تطبيق نظرية الظروف الطارئة ,حيث نص القانون المدني العراقي في المادة 146 على انه (اذا طرأت حوادث استثنائية عامة لم يكن في الوسع توقعها وترتب على حدوثها ان تنفيذ الالتزام التعاقدي ,وان لم يصبح مستحيلاً صار مرهقاً للمدين بحيث يهدد بخسارة فادحة جاز للمحكمة بعد الموازنة بين مصلحة الطرفين ان تنقص الالتزام المرهق الى الحد المعقول ان اقتضت العدالة ذلك ويقع باطلا كل اتفاق على خلاف ذلك ) فنجد هنا اقرار هذه النظرية الى اعادة التوازن في العقد من الناحية الاقتصادية بما يؤدي بدوره الى تحقيق العدالة ,ويشترط لتطبيق هذه النظرية ان يكون العقد من عقود المدة حيث يتطلب تنفيذها المرور وفق مدد زمنية متتالية كعقد الايجار ,او تكون حتى من العقود التي تبرم وتدخل الحيز النفاذ الا ان تنفيذ الالتزام لا يتم في نفس وقت نفاذ العقد بل يتطلب فترة معينة وهذا يشمل عقود التوريد ,وان يكون الامر الذي تسبب في اللجوء للظروف الطارئة حوادث استثنائية تشمل عامة المجتمع ولاتقتصر على المدين نفسه ,وان لايكون هذا الظرف الطارئ متوقع عند الشروع بأبرام العقد , كذلك ضرورة ان لا يكون في استطاعة المدين تلافي هذا الظرف ودفع ذلك الحادث ,وينظر هنا وفق معيار موضوعي الا وهو معيار الشخص المعتاد ,وهذا الالتزام لا يشترط فيه ان يكون مستحيلا ليصار الى تطبيق نظرية الظروف الطارئة بل يكفي ذلك ان يكون تنفيذ الالتزام فيه ارهاقا للمدين والارهاق هنا يقاس بمعيار موضوعي ايضاً, ويكون للقاضي عندها تعديل الالتزام بما ينسجم مع تحقيق العدالة بين الطرفين ,وهنا نقول ان تعذر تنفيذ الالتزام كونه مستحيل التنفيذ فيصار تبويبه ضمن القوة القاهرة التي تفرض نفسها على احد طرفي العقد فتحول دون تنفيذ الالتزام , واذا كان الالتزام ليس مستحيل التنفيذ ولكن مرهقاً للمدين فيصار الى تطبيق نظرية الظروف الطارئة , فيكون في زمن الاوبئة والكوارث اللجوء الى هذه النظريات كحلول للمنازعات العقدية عند تحقق شروطها.