مقال (مدرسة الفكر)
لكاتبه :الاستاذ الدكتور خليفة ابراهيم عودة التميمي
قد يثير العنوان شغف القارئ لمعرفة ماهية الفكر ومدرسته التي نحاول تناولها في هذا المقال ، اذ تشير دلالات الفكر بكل انواعه سياسيا واقتصاديا واجتماعيا بإعمال ملكات العقل من اجل وضع الحلول النظرية والعملية للقضية محل الدراسة ، ومما لا شك فيه ان النخب وكما علمنا اساتذتنا في العلوم الاجتماعية والسياسية تكون في مقدمة بل قدوة الفكر لتعاطيهم اليومي مع مشكلات سياسية واقتصادية واجتماعية ، وإذا ما نشدنا التغيير والتطور فان المدرسة التي من شأنها ان تغير العالم هي مدرسة الفكر النابعة من العلوم الإنسانية ، أي تلك العلوم التي تضع الإنسان في غاية مبتغاها وصفا وتحليلا ودراسة لفهم ما يعمل على تطويره وفهمه للحياة ، وكبح معوقات تطوره للإفادة منه عنوان التنمية ومادتها سواء كانت تنمية سياسية او اقتصادية او اجتماعية .
ان عجزنا عن فهم الحراك الاقتصادي والاجتماعي والسياسي نابع من عدم اعمال العقل او بكلمة اخرى عدم الانصات لما طرحته مدرسة الفكر الذي ادى الى عدم القدرة على تحليل الاحداث اليومية في عالمنا المتسارع بالأحداث ، بل اكثر من ذلك ذهب محللونا باستخدام مفردات التحليل الغربي التي قد لا تتوافق ورؤانا الوطنية ، والمشكلة الكبرى عندما درج المتاسلمون على ذات النهج ، وتسارع معهم من اسميناهم بالنخب التي لم تكلف نفسها او لم تطلع على الدراسات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية التي تمكنهم من فهم وتحليل الاحداث ووضع القرارات المناسبة لها .
ولعلنا لا نبالغ اذا ما قلنا ان علماء اليوم وبسبب عدم دخولهم مدرسة الفكر من الاسلاميين يخوضون في قضايا لا تسمن ولا تغني من جوع فراحوا يتغنون بنواقض الوضوء ، وعن الجن وهل هم اناث ام ذكور وكيف يتناسلون ، واخرون يهرفون بما لا يعرفون لإرضاء هذا او ذاك ، فاذا كان هذا حال ( النخب ) التي ابتعدت كل البعد عن مدرسة الفكر التي تؤسس الى عمران بشري ومجتمع صالح وقيادات تعي المسؤولية ، واذا بات المفتي لا يفكر الا بان تكون فتواه متوافقة مع رضا حاكم ظالم فراح يشرعن للقتل والارهاب ، فمن لهذه الشعوب اذا كان علمائها يغوصون بهذه الترهات ، واذا كان مثقفوها لا ينظرون الى الواقع نظرة المخالط له ، حيث ان مفكرينا الاوائل الذين إزدهرت أوطاننا بفكرهم وبمدرستهم الفكرية الانسانية إنبنت افكارهم على النظرة الشمولية والمعالجة الفكرية الانسانية بدلاً من التفكير ضمن قوقعة الشخصنة والنظرة القاصرة المبنية على الطائفية أو العرقية.
بينما مدرستنا الفكرية الحالية كرجال الاعمال يستثمرون على حساب شعوبهم ، من لهذه الشعوب حتى تشعر بانها شعوب حية ، الم نكن نحن وكوريا الجنوبية في مرحلة واحدة في خمسينيات القرن الماضي ، ما الذي يجعلهم يصبحون قوة ونحن باقون ننظر اليهم ، بل نقتني مقتنياتهم بكل عزة واحترام وندفع اموالنا وعرق جبيننا ودمائنا اليهم ، لاننا لم نجد من يحركنا ولم نجد من يفتح علينا باب فهم الواقع والحياة ، فما احوج مجتمعنا الى كل ماهو انساني مبني على البشر لا الحجر وليسأل كل منا نفسه سؤال ، متى كانت آخر مرة قام بها بعمل تطوعي انسانيا دون مقابل له الا مساعدة من هو بحاجة الى المساعدة ، وبالمقابل نشيد بأمم ترعى حيواناتها بكل رحمة ورأفة وفي ذات الوقت يبغض بعضنا البعض ويقتل بعضنا البعض وهذا أصدح دليل على عظيم الخلل في مدرسة الفكر لدينا.
اقول لكم ايها المثقفون يا صناع العقول اصنعوا عقولا ، فصناعة العقول لا تأتي بكثرة الاطباء والمهندسين فقط وانما يأتي بمن يدرك التغيير وهذا الادراك هو الذي يصنع الحياة بكل مسبباتها الاجتماعية والسياسية والاقتصادية وكل نواحي الحياة ، فنحن تركنا المجال مفتوحا امام الافكار المنحرفة امثال ( داعش ) وغيرها لكي تحرف مجتمعاتنا لتخلينا المسبق عن مدرسة الفكر هذه التي تصنع الحياة ولا تترك مجالا لهذه الافكار ان تتسيد مجتمعاتنا ولان تمتلك مفاتيح القوة في مجتمعاتنا ونحن نتفرج ونندب حظنا العاثر ، ادعو جميع مثقفينا الى تبني مدرسة الفكر التي تتعايش مع الواقع وتفهمه وتصنع افكار التعايش الواقع وتتحكم فيه بدلا من ترك الساحة لهذه الافكار لكي تحطمنا اكثر فأكثر.