مقال (ممارسة الرياضة حقا من حقوق الانسان)
لكاتبه: المدرس عبد الباسط عبد الرحيم عباس
تعرف الرياضة على انها " نشاط يتضمن جهداً جسديا ومهارة, تحكمه قوانين أو عادات تمارس عادة على نحو تنافسي". وتمارس الرياضة بهدف الترفيه او المنافسة او المتعة او التميز او تطوير المهارات أو تقوية الثقة بالنفس او الجسد. واختلاف الاهداف من حيث اجتماعها او انفرادها يميز الرياضات بالإضافة الى ما يضيفه اللاعبون أو الفرق من تأثير على رياضاتهم. ويراد بالتربية البدنية, ذلك الجانب المتكامل من التربية يعمل على تنمية الفرد وتكيفه جسمانيا وعقليا واجتماعيا ووجدانيا عن طريق الانشطة البدنية المختارة التي تتناسب مع مرحلة نموه.
فاذا كان من الثابت تاريخيا ان الانسان قد مارس الرياضة منذ الالاف السنين, اذ دلت الاثار على ان المصريين القدماء كانوا يمارسون انواعاً من الرياضة, وان الملعب الاولمبي باليونان, خير شاهد على ان العديد من الرياضات كانت تنظم لها المسابقات للمشاركين من بين البلاد اليونانية. وان قدامى الصينيون كانوا يلعبون كرة القدم بالحديد. فأن التساؤل الذي يطفو على السطح, يكمن في مدى اقرار ممارسة الرياضة كحق من حقوق الانسان؟ واذا كان الجواب بالإيجاب, فما هي طبيعة هذا الحق؟.
لا يخفى على كل مختص او باحث في مجال حقوق الانسان, ان البحث في الاسس النصية لأي حق من حقوق الانسان يكون لزاما عليه البدء بخط شروع استقرائي لنصوص النواة الصلبة المتمثلة بالشرعة الدولية لحقوق الانسان, لكي تكون نقطة انطلاقه, فقد تضمنت هذه الوثائق الدولية حقوق الانسان الاساسية بما يجعلها نموذجا لمدونة عالمية للحقوق الانسانية. وليس من الصعب ان ندرك كيف ان قائمة الحقوق تجد لها نواة مشتركة في كل من هذه النصوص وهذه النواة تضرب بجذورها في الاعلان العالمي لحقوق الانسان, وخارج نطاق هذه النواة المشتركة للحقوق وارتباطا بالحقوق الجديدة التي اضيفت اليها ظهرت كما هو معلوم فروقا مختلفة.
لدى الرجوع الى نصوص الاعلان العالمي لحقوق الانسان لسنة 1948, بوصفه المثل الاعلى المشترك الذي ينبغي ان تبلغه كافة الشعوب والامم, لم نجد نصا صريحا على اقرار ممارسة الرياضة كحق من حقوق الانسان, والامر سيان في العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية والعهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لعام 1966. ولكن يجب الا يحمل ذلك على محمل عدم كفالة الحق في الرياضة او غياب الاهتمام الدولي في اطار منظمة الامم المتحدة, خصوصا اذا ما علمنا ان منظمة الامم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) ومنذ عام 1950, وضعت التربية البدنية والرياضية على رأس جدول اعمال برنامج التعاون والتنمية, وقد وقع الاختيار على المنظمة لتولي المسؤولية عن تعزيز ومأسسة التربية البدنية. ومن بعد ذلك عقد المؤتمر الاول للوزراء وكبار المسؤولين عن التربية البدنية والرياضة في باريس عام 1976, حيث مثل نقطة انطلاق لجهود اليونسكو المؤسسي في التربية البدنية والرياضة. ونتيجة لذلك, تم في العام 1978 انشاء اثنين من اليات التعاون الدولي, وهما الميثاق الدولي بشأن التربية البدنية والرياضة واللجنة الدولية الحكومية للتربية البدنية والرياضة. وتقر منظمة الامم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) في ميثاقها الدولي للتربية البدنية والرياضة ان الانتفاع بالتربية البدنية والرياضة هو حق اساسي للجميع. ويستكمل هذا الاقرار بمختلف الوثائق والقرارات التوجيهية الاساسية ذات الصلة الصادرة عن الامم المتحدة, ففي قرار الجمعية العامة 58/5 والمعنون " الرياضة وسيلة لتطوير التعليم والصحة والتنمية والسلم" قررت فيه الجمعية العامة للأمم المتحدة إعلان سنة 2005, ( سنة دولية للرياضة والتربية البدنية), ويدعو القرار كافة الحكومات ومنظومة الامم المتحدة الى ادراج الرياضة والتربية البدنية في برامج التنمية, بما في ذلك البرامج التي تسهم في تحقيق اهداف الالفية للتنمية .
وفي ذات الاتجاه , في عام 2015, وعملا بقرار مجلس حقوق الانسان 24/1, أعدت اللجنة الاستشارية لمجلس حقوق الانسان تقريراً مرحلياً وقدمته الى مجلس حقوق الانسان في دورته السابعة والعشرين. بشأن إمكانيات استخدام الرياضة والمثل الاعلى الاولمبي للنهوض بحقوق الانسان للجميع وتعزيز احترامها على الصعيد العالمي, والذي احتوى نظرة عامة وتحليلاً وتقييما بشأن المجالات الرئيسية التي قد يكون فيها الاندماج المستمر لنهج قائم على حقوق الانسان في ممارسة الرياضة وتنفيذ المثل الاعلى الاولمبي بالغ الجدوى أو المنفعة فيما يتعلق بتشجيع وتعزيز الاحترام الشامل لحقوق الانسان. اذ اكدت فيه ان تطور الحق في ممارسة الرياضة تطورا مفاهيميا هائلاً خلال السنوات الاخيرة وبات يعكس رغبة في عيش حياة صحية مقترنة بالكرامة البشرية. ويتجذر هذا الحق في حقوق ومفاهيم اخرى, بما في ذلك الحق في الصحة والمشاركة في الحياة الثقافية والتنمية, وانه يجب ان يضمن هذا الحق للجميع. واضافة الى ذلك, يؤدي الميثاق الاولمبي دوراً محورياً في سياق حقوق الانسان والرياضة اذ ينص على اعتبار "ممارسة الرياضة حقاً من حقوق الانسان".
كما ترى اللجنة الاستشارية, ان الرياضة مهمة في تعزيز حقوق الانسان على الصعيد العالمي من خلال ما تولده من تفاعلات بين أناس ينتمون الى خلفيات وثقافات مختلفة. وعلاوة على ذلك, تسخر صناديق الامم المتحدة وبرامجها ووكالاتها المتخصصة, والمنظمات الرياضية, المزيد من الموارد لمجالات التنمية عن طريق الرياضة, كوسيلة للمساعدة في تعزيز الشباب, والتعليم النظامي, والثقافة, واساليب الحياة الصحية, والاستدامة, والمساواة بين الجنسين والتفاهم بين الشعوب.
ومما تجدر الاشارة اليه ان دستور جمهورية العراق لعام 2005 واشار بشكل صريح الى ان ممارسة الرياضة من الحقوق المكفولة لكل فرد, اذ نص في المادة (36) منه على ان "ممارسة الرياضة حق لكل فرد, وعلى الدولة تشجيع انشطتها ورعايتها, وتوفير مستلزماتها" .
قصارى القول, ان ممارسة الرياضة حقا من حقوق الانسان ذو طبيعة مزدوجة , ففضلا عن كونه حقا قائماً بذاته مكفولا, فهو ايضا حقا تمكينيا لممارسة واعمال وتعزيز غيره من الحقوق والحريات العامة داخل منظومة حقوق الانسان.