الضمانات القانونية لحقوق الإنسان في قانون مناهضة التعذيب العراقي
م. حيدر نجيب أحمد فائق ahmed.haider2016@mail.ru
حقوق الإنسان من اهم المواضيع التي كانت ولا زالت تمثل الأولويات في اهتمام جميع الدول بتوفير الحماية لها في مجالات كثيرة منها السياسية والاجتماعية والاقتصادية ولعل القانونية أبرزها، وهذا ما يثبت نظريا وعمليا في المعاهدات والاتفاقات الدولية وحتى الدساتير والتشريعات داخليا، ولعل الجانب القانوني يأخذ حيزا مهما لتوفير هذه الحماية، وبغض النظر عن بنود وتفاصيل اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة وما لحقها من بروتوكولات والتي كان للعراق نصيبا في المشاركة والعضوية فيها لمحاربة شتى أنواع التعذيب والعنف وما تبع ذلك من صدور قانون الانضمام لهذه الاتفاقية في العراق رقم 30 لسنة 2008، يسعى العراق في تشريع قانون لمناهضة التعذيب حديثا والذي لازال قيد التصويت بعد الانتهاء التام من صياغته القانونية، وهو ما نأمل صدوره ونفاذه قريبا لأهميته وتأثيره الفعال في ضمان وحماية الحقوق والحريات والمصالح لأفراد المجتمع عموما وللمتهمين بارتكاب الجرائم خصوصا، وهو قانون يتضمن أحكام قانونية تحدد بل إنها قد تقضي على جريمة التعذيب لما ورد فيه من عقوبات صارمة وإجراءات ضد مرتكبي هذه الجريمة ممن يعملون ضمن مؤسسات الدولة في مجال التحقيق وحتى القضاء اذا صح التعبير وهو مخالفة قانونية بإجراء روتيني قد يراه البعض ملائما لتحصيل المعلومات من المتهم في حالة ثبوت الفعل المخالف بحق القائمين بالتحقيق قطعا لوجود اعتداء على حرية المتهم وحقه في الحياة والدفاع عن نفسه وتجاوزا على مبدأ افتراض براءته وغيرها من اعتبارات إنسانية واجتماعية وقانونية، وقد اعتمد المشرع العراقي في صياغة النصوص القانونية على بنود وأحكام كثيرة وردت في نفس الاتفاقية تطبيقا لها وخصوصا ما يتعلق بضرورة اتخاذ الدول الأعضاء جميع التدابير والإجراءات الداخلية القانونية والإدارية تنفيذا للاتفاقية المعهودة.
بداية نجد ضرورة لتوضيح المصطلحات التي جاءت في عنوان هذا القانون والتي نرى ضرورة إعادة النظر فيها بتسمية جديدة بما ينسجم مع محتوى وعنوان الاتفاقية وبما يتفق مع المصطلحات العامة الشاملة لا اقتصارها على مصطلح التعذيب فقط وفي ذلك سلامة لغوية واصطلاحية بما يعزز ويضمن الحماية للحقوق والمصالح لمصلحة اطراف العلاقة القانونية، ويراد بالتعذيب هو العمل الذي ينتج عنه تحقق الألم أو العذاب الشديد للجسد أو العقل وما يلحق عمداً بالشخص بقصد الحصول منه أو من غيره على معلومات أو اعتراف، أو لمعاقبته على عمل يشتبه في انه ارتكبه أو قام به فعلا هو أو شخص ثالث أو لتخويفه أو إرغامه هو أو أي شخص ثالث أو عندما يلحق مثل هذا الألم أو العذاب لأي سبب من الأسباب يقوم على التمييز أيا كان نوعه، أو يحرض عليه أو يوافق عليه أو يسكت عنه موظف رسمي أو أي شخص أخر يتصرف بصفته الرسمية، ولا يتضمن ذلك الألم أو العذاب الناشئ فقط عن عقوبات قانونية أو الملازم لهذه العقوبات أو الذي يكون نتيجة عرضية لها، يقصد بالمناهضة هي المقاومة أو الخصومة وغيرها مما يعبر عن عدم الاتفاق مع ما يحصل من أوضاع أو سيكون مستقبلا وما يدخل في مضمون المواجهة لأمر غير مرغوب فيه لما يتضمنه من اعتداء.
وجدير بالذكر هنا أن المشرع العراقي قد تبنى في قانون العقوبات نص خاص في المادة 333 من قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 المعدل والتي جاء فيها (يعاقب بالسجن أو الحبس كل موظف أو مكلف بخدمة عامة عذب أو امر بتعذيب متهم أو شاهد أو خبير لحمله على الاعتراف بجريمة أو للإدلاء باقول أو معلومات بشأنها أو لكتمان امر من الأمور أو لإعطاء رأي معين بشأنها ويكون بحكم التعذيب استعمال القوة أو التهديد)، إلا أن هذا النص يبدو انه لم يكن فعال بما فيه الكفاية لمعالجة هذه الجريمة ذات الأبعاد الاجتماعية والإنسانية المؤثرة وكذلك ما جاءت به التشريعات الجنائية الأخرى، ومن ثم نجد أن القانون الذي نصفه في مقالنا سيكون حاد في صياغته ومعالجاته وصارما تجاه من يرتكب هذه الجريمة، وسنلخص ما جاء به من ضمانات وعقوبات في جمل وعبارات من مضامين نفس أحكامه بما يتوافق وينسجم مع مساحة مقالنا المتواضع هذا.
تضمن القانون الجديد الذي لم يرى النور والتطبيق حتى وقتنا الحاضر اتجاهات تشريعية جنائية كثيرة متنوعة في مضمون أحكام القانون والتي تترتب عليها مظاهر إجرائية جديدة لعل من أهمها هو منع استخدام الأدلة التي تم استحصالها بوسائل التعذيب الجسدية أو النفسية وإلزام جهات التحقيق والقضاء بإجراء الكشف الذي لم يحدد المشرع العراقي نطاقه ومفهومه على من يتصف بالمتهم للتأكد من تعرضه للتعذيب أو بخلاف ذلك وبشرط العلم المسبق لهذا الفعل عليهم أو من خلال تقديم طلب ولعل المقصود بذلك هو المتضرر بل يتوسع المشرع لأكثر من ذلك بواجب التحقيق من الجهات المختصة السابقة في الموضوع وإحالة المتضرر إلى اللجان الطبية وفي خلال 24 ساعة وبشرط علمهم بفعل التعذيب من دون حاجة لتقديم الطلب، أيضا اخذ المشرع العراقي الجنائي بموضوع الشراكة في ارتكاب الجريمة بتوجيه الاتهام للرئيس الأعلى لمن ارتكب جريمة التعذيب ومسائلته من الناحية القانونية ولكن بشروط محددة في تحققها لثبوت فعل الاشتراك ومنها علمه بارتكاب الجريمة أو الشروع بها من احد مرؤوسيه أو تعمده بإخفاء أو إغفال معلومات تتعلق بارتكابها أو ما يتعلق بتحققها أو انه امر بها أو جرت تحت رقابته ومسؤوليته أو لم يتخذ الإجراءات والتدابير اللازمة لارتكابها أو منع ارتكابها أو لم يقم بالتبليغ أو عرض الأمر على السلطات المختصة لغرض الملاحقة القانونية، وحسنا فقعل المشرع بهذا الاتجاه الواسع في المحاسبة ومد نطاق المسائلة القانونية للاشتراك في الجريمة، ولا يعفى من ارتكاب الجريمة صدور الأوامر من الرئيس الأعلى أو وجود وتحقق الظرف الاستثنائي أو الحرب أو التهديد بها، إلا أن المشرع يشترط هنا اذا كانت الأوامر غير قانونية وكيف يكون الأمر كذلك وفي ذلك تناقض واضح بصراحة النص القانوني يدعو إلى إعادة الصياغة القانونية اللفظية لإيصال الحكم المطلوب لا اعتراضا من جانبنا على اتجاه وهدف التشريع المعني، وان قضايا التعذيب بعد ثبوتها تحال الى محكمة حقوق الإنسان التي تعتبر محكمة متخصصة في قضايا معينة تنظرها وفقا للقوانين العراقية والتي أنشأت وفقا وتماشيا مع تطور القضاء في البلدان الأخرى بما يتفق مع المواثيق والمعاهدات الدولية، كما يتم عزل من تعرض للتعذيب في مكان خاص بإشراف الادعاء العام مع إبعاد المتهمين بالتعذيب عن إكمال وإتمام التحقيق واتخاذ الإجراءات القانونية بحقهم وهذا الزام واجب التطبيق بصراحة نص القانون، وان تهمل الأقوال التي تحصلت من أساليب التعذيب وان يؤمر بإعادة التحقيق مجددا، ويلزم المشرع العراقي الجنائي الجهات التحقيقية والقضائية بضرورة توفير الضمانات اختياريا للمتهم إبلاغ من يهمه أمره بمكان إيداعه مع حماية الشهود اللذين يدلون بمعلومات عن أفعال التعذيب، إلا ان المشرع لم يوضح تفاصيل ذلك الاتجاه وآلية العمل بهذه الضمانات، ويبدو ان التشريع يعطي صلاحيات وسلطات التنفيذ للجهات التحقيقية والقضائية حسب الاختصاص، كما يوجب القانون على الحكومة لزاما تشكل لجنة وطنية دائميه لمناهضة التعذيب تتكون من ثمان أعضاء متعددين الاختصاص من قضاة ومدراء ومفوضين لضمان إقرار الخطة الوطنية وإعداد التقرير عن مناهضة التعذيب وكذلك ما يتعلق بإعداد الدورات التأهيلية للقائمين على التحقيق لمناهضة التعذيب مع تكفل الحكومة بتهيئة المراكز الصحية لإعادة تأهيل ضحايا التعذيب جسديا ونفسيا واندماجهم في المجتمع، يضاف لما سبق من ضمانات قانونية فان المشرع العراقي جاء بتبعات قانونية صارمة وعقوبات لمرتكبي هذه الجريمة تمثل ركائز القانون نفسه وكأنها الهدف من تشريعه لمنع ارتكاب هذه الجريمة كضمانات قانونية لحقوق الإنسان وتتمثل بمنح وتوفير الفرصة لمن تعرض للتعذيب بإقامة الدعوى أمام المحاكم المدنية للمطالبة بالتعويض المادي والمعنوي عن الأضرار من جراء التعذيب متى ما ثبت فعلا وما يسبق ذلك من إجراءات لإثبات الضرر والتعذيب فعلا وما يتبع ذلك من عقوبات جزائية لمرتكبي الجريمة ومالية بغرامات وغيرها من أوضاع قانونية بصراحة نص القانون المعني نفسه، فيحاسب الجاني بعقوبات تتلخص بالسجن من دون تحديد للمدة فيخضع ذلك لصلاحية الجهات القضائية المختصة بالإضافة لغرامات لا تقل عن 15000000 ولا تزيد على 50000000 أو بإحدى هاتين العقوبتين السابقتين، وهنا يلاحظ الدمج بين العقوبتين ثم التخيير في ذلك وهذا ما يتطلب إعادة النظر فيه بإعادة الصياغة القانونية للحكم نظرا لخطورة الفعل المخالف المرتكب، وراعى المشرع الجنائي العراقي موضوع التشديد بالعقوبة اذا كان الجاني قد ارتكب الجريمة مستغلا بفعله هذا لوظيفته وادت الجريمة إلى موت المجني عليه فيعاقب الجاني بالسجن المؤبد وبغرامة لا تقل عن 50000000 ولا تزيد على 100000000، وهذا الحكم باعتقادنا يحتاج أيضا إلى إعادة في الصياغة اللفظية من الناحية القانونية واللغوية، وحسنا فعل المشرع العراقي بإسناد ما لم يرد به حكم قانوني وحلول في هذا القانون إلى تطبيق نصوص قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 المعدل وقانون أصول المحاكمات الجزائية رقم 23 لسنة 1971، وأخيرا يوجب التشريع على مجلس الوزراء إصدار تعليمات بعد نفاذ هذا القانون ونشره في الوقائع العراقية، وفي الواقع نرى بضرورة ذلك على أن لا تكون الفترة بين نفاذ هذا القانون وتعليماته طويلة نظرا لخطورة أحكامه وآثارها القانونية إنصافا لمن تقع عليهم الجريمة وردعا للجناة فيها.
وفي نهاية المطاف لمقالنا، إن اتجاه المشرع العراقي في استكمال النظام القانوني العراقي القائم بتشريع هذا القانون هو اتجاه محمود قطعا وموفق في ذلك قطعا، إلا إن القانون المعني يتطلب في آثاره إجراء تعديلات قانونية في تشريعات عراقية أخرى لتحقيق الانسجام بينها نظريا وعمليا، مع ضرورة إعادة النظر تعديلا بالإضافات والحذف في صياغاته القانونية اللفظية لتحقيق الفائدة المرجوة والهدف من مضمون نصوصه القانونية صراحة أو ضمنا وكذلك ضرورة استكمال أحكامه بتحديد مسؤولية من يدعي التعذيب كذبا للتهرب والتخلص من المسؤولية الجنائية بحقه ولا تكفي الإحالة بالحكم لأي قوانين جنائية ومدنية اخر، وغير ذلك من تعليقات تفتقر لتفاصيلها مساحة مقالنا المتواضع هذا… ومن الله تعالى التوفيق.