الضمانات القانونية لحماية التنوع ومنع التمييز وفقا للاتجاه التشريعي العراقي الحديث
م. حيدر نجيب أحمد فائق ahmed.haider2016@mail.ru
تسعى التشريعات العراقية دوما إلى حماية حقوق الإنسان بأنواعها الكثيرة وفي كل ما يتعلق بحياة الإنسان وعقيدته وثقافته وتوجهاته طالما كانت مشروعة وبما لا يتعارض مع حقوق وحريات الآخرين قانونا، والكلام في هذا السياق لا ينقطع ولا يقف عند حدود معينة بما يتفق ويقبله العقل والمنطق نظريا وعمليا، فنجد أن رأس الهرم تسلسلا للنظام القانوني العراقي ممثلا بالدستور العراقي النافذ لسنة 2005 يؤكد ويعترف صراحة بالتنوع في الطوائف والمعتقدات والقوميات في العراق وغيرها من الحقوق والحريات ويشدد على وجوب حمايتها ومراعات اهتماماتها بما يوفر الحرية وضمان المصالح المشتركة في هذا الجانب إضافة إلى كفالة التشريعات العراقية ونخص منها الجنائية وحتى الإدارية والمدنية لحقوق هذه الطوائف والقوميات وبأي تعبير لفظي وصياغات ومعاني قد وردت واتصفت وصولا للكمال في التوازن القانوني والاجتماعي في المجتمع العراقي الواحد ومنعا لأي نوع من أنواع التمييز العنصري لحماية هذا التنوع الاجتماعي، ناهيك عن الاتفاقات الدولية التي أبرمت ونفذت ولا زالت مستمرة وفقا للمتغيرات العالمية والإقليمية وما يتصل منها بالمظاهر الوطنية داخل كل دولة لحماية حقوق الإنسان في هذا الجانب، ولتجنب الإطالة والسرد الذي لا يمكن تغطيته في مساحة مقالنا المتواضع هذا وترك الفرصة لغيرنا للتوسع والإبداع نقول بأن الاتجاه التشريعي العراقي حديثا وانسجاما مع ما جاءت به نفس النصوص الدستورية في العراق لا ينفك بالتركيز قطعا على توفير مجال أوسع لحماية حقوق الإنسان في جانب محاربة ومنع التمييز بين الأفراد وطبقات وشرائح المجتمع ولضمان استقرار التنوع الاجتماعي الفردي فيه من خلال السعي لسن قانون لا زال قيد التشريع ولم يرى النور القانوني بعد أسوة بالتشريعات القانونية الأخرى النافذة بعد التفرغ من كتابة صياغاته اللفظية وأحكامه القانونية من السلطة التشريعية في العراق حاليا والذي كتب في عام 2019 وبانتظار التصويت عليه ضمن جدول الأعمال التشريعية، وسنوضح بشكل مختصر الية الحماية القانونية لحقوق الإنسان في ثنايا أحكام ونصوص هذا القانون ولتفسير اهم الضمانات القانونية التي جاء بها لأهميتها لما للتنوع الثقافي والديني والاجتماعي من غنى وضرورات في المجتمع العراقي وحفاظا على الإرث الثقافي والتعددية في المذاهب واحترام قيم ومبادئ وحقوق وحريات الإنسان وما يتصل من ذلك بأصول المواطنة الحقيقية وصولا للتفاهم والاتفاق بين شرائح وطبقات المجتمع العراقي واستكمالا لتعزيز وتقوية أواصر التماسك الاجتماعي بما يحقق العدل والمساواة وينسجم مع مبادئ الإسلام.
ومن هذا المنطلق السابق، تضمن القانون الخاص بحماية التنوع ومنع التمييز العراقي لسنة 2019 والذي صيغ وكتب بواقع 17 مادة قانونية جملة من الأحكام المختلفة تشمل في تطبيقها على جميع الأفراد المواطنين في الجمهورية العراقية بغض النظر عن أوصافهم ومميزاتهم دينيا وعرقيا واجتماعيا واقتصاديا وسياسيا وصحيا ولغويا وغيرها الكثير، وهذا هو الأصل لضمان تحقيق العدالة وحماية الحقوق والحريات وحسنا فعل المشرع العراقي في هذا الشمول الشخصي بإيراد هذا النص لضمان التطبيق النظري والعملي لما سيرد من ضمانات وعقاب للمخالفين ومرتكبي هذه الجرائم على من يحمل هذه الصفات السابقة والأقليات وعلى من يدخل في اطار التعاريف الواردة لمصطلحات هذا القانون مباشرة بقيامه بفعل او الامتناع عن فعل يسبب ضرر او تفرقة او تمييز بين الأفراد على أساس فروقات وصفات ومميزات فردية أو جماعية في التعامل معهم بما يخدم تحقيق المصالح للمعتدي أو الجاني باختلاف أنواعها وبأفعال متنوعة الأساليب، وان الدولة ملزمة غير مختارة بذلك في حماية حقوق النسان في هذا الجانب ومنع أي اعتداء عليها أو تمييز باستثناء ما يكون مقيد بقرار قضائي وهو ما لم يوضحه التشريع لمغزي ومعنى ذلك لإزالة الشك والتعارض المحتمل مع نصوص وأحكام قوانين أخرى ينبني عليها نفس القرار القضائي المعني وكان الأجدر برأينا مراعاة ذلك، ثم يعود القانون بحصر حماية حقوق معينة حصرا دون غيرها مقارنة بحقوق الإنسان الواسعة في نطاقها فيقصرها على الملكية والتصرف بها وعلى العدل والمساواة وتكافؤ الفرص في تولي الوظائف والعمل وفي ذلك لنا عليه علامة استفهام بمنظورنا لهذا الاتجاه التشريعي تحديدا الذي يتطلب التفسير والتنظيم والصياغة بالتعديل، ويستمر التشريع بالتنظيم بإلقاء العبء الزاميا على الدولة باتخاذ جميع التدابير الرادعة لحماية الأشخاص المشمولين بأحكام هذا القانون وهو تكرار لنفس الأحكام نرى ضرورة معالجته بتعديل الصياغة اللفظية القانونية لنصوص القانون نفسه برغم تأييدنا لاتجاهات المشرع العراقي في هذا الجانب، مع ملاحظة أن الأحكام المعنية هنا تضمنت تكرار لمصطلحات مثل (الفرد- المواطن) والتي كان من الأفضل لاستقرار المعاملات وتوطيدا للحماية القانونية أن يوضح تفسيرا لها ضمن مواد القانون التعريفية وباختيار افضلها شمول وعمومية في المعنى لتطبيق النص القانوني نظرا لاختلاف مصطلح الفرد عن المواطن ضمن شرائح نفس المجتمع من الناحية القانونية والاجتماعية واللغوية، وحستا فعل المشرع العراقي بالتوسع في نطاق الحماية والضمانات لتشمل حتى الأثار التأريخية الدينية والثقافية قدر تعلقها المباشر وغير المباشر بالأديان والقوميات والمعتقدات لأفراد المجتمع الواحد وغيرها من مبررات، ويلاحظ بشكل جلي ان التشريع السابق في وصفه وتحديده أعلاه قد تضمن نصوص وأحكام مشابهة تماما باختلاف الصيغ اللفظية واللغوية والقانونية مع ما جاء به الدستور العراقي لسنة 2005 وتعزيزا لها في التطبيق ضمن نصوص قانونية خاصة لا مجرد مبادئ وقواعد عامة ومنها مثلا الحرية في ممارسة التقاليد والثقافات وتطويرها بما ينسجم وأحكام القانون ذات العلاقة وتأسيس الجمعيات والمؤسسات الثقافية والعلمية والتربوية وغيرها مع ضمان التعليم باللغات التي تتكلم بها الأقليات وفق أحكام هذا القانون، وان تكفل الدولة تحقيق التوازن الكامل في المشاركة ضمن مؤسسات الدولة مع ضمان حرية المعتقدات وممارسة الشعائر الدينية وتقييد هذه الحرية والممارسات بأحكام القانون ذات العلاقة، ولعل المهم في أحكام هذا القانون هو ما جاء به من محظورات ووصف للأفعال المجرمة والعقوبات الداخلة في الحماية القانونية لمنع التمييز والاتجاه نحو محاربة التنوع لمنعه والقضاء عليه بما يشكل جريمة بحق الأفراد للحيلولة دون ممارسة الحقوق والحريات، وسواء كان الفعل أو الامتناع عن الفعل بإجراء تغييرات ديمغرافية لمناطق معينة لتحقيق مكاسب معينة شخصية او طائفية وغيرها من أهداف أو أعمال اضطهاد بسبب القومية واللغة والدين ومن ذلك تمثيل كثير او باتخاذ قرارات وتصرفات وممارسات لتحقيق نفس الهدف بالاعتداء على الحقوق والحريات مع وجود بعض الصياغات غير المنظمة لغويا وقانونيا نعتقد بضرورة إعادة النظر فيها لهذا الجانب تحديدا مع التوسع في التمثيل والأحكام لتحقيق التكامل في التنظيم القانوني بما يحقق أهداف تشريع هذا القانون مستقبلا قدر المستطاع، وما يثبت ويدعم الضمانات القانونية ضد الأفعال المجرمة والمحظورة الواردة في هذا القانون برغم غياب الوصف التام والشامل لها باعتقادنا هو العقوبات التي تحددت وفقا لجسامة الأفعال المجرمة المتنوعة وصفا وأسلوبا والتي تتراوح بين الحبس لمدة لا تتجاوز ثلاث سنوات أو بغرامة نقدية لا تزيد عن 2000000 دينار عراقي وكذلك بالسجن عن أفعال أخرى لمدة لا تزيد على عشرة سنوات وغرامة نقدية لا تقل عن 10000000 دينار عراقي، وحسنا فعل المشرع العراقي بالتشديد في العقوبة للحالات الجرمية المشمولة بحكم العقوبة الأخيرة وكان الأجدر لا اعتراضا على الاتجاه التشريعي السابق بالتشديد أيضا في العقوبة الأولى أيضا نظرا للآثار القانونية والاجتماعية المترتبة على الفعل المجرم في الاعتداء على الحقوق والحريات من هذا الجانب وربما ما يؤدي اليه الفعل المخالف إلى الوفاة والتدمير والتخريب وقت ارتكاب الفعل أو مستقبلا بعده ولا نجد داعي للتخيير في العقوبات بين الحبس والغرامة المرافقة لحكم النص العقابي، مع ملاحظة الغياب في الأحكام للاشتراك بهذه الأفعال المحرمة والمجرمة بنص صريح في هذا النطاق وهذا ما نعتقد به كقصور تشريعي واضح بحكم الواقع العملي لارتكاب هذه الأفعال، إلا أن المشرع العراقي قد استدرك القصور القانوني في الأحكام الذي قد يطرأ على تطبيق النصوص القانونية مقارنة بالواقع الذي ربما يتطلب حكما لا وجود له في التشريع المعني وذلك من خلال النص صراحة على الإحالة في التطبيق لنصوص قوانين عراقية عقابية أخرى لمعالجة الفراغ أو النقص التشريعي ونحن نؤيد قطعا هذا الاتجاه بما يكفل العدالة وسيادة القانون، كما أن المشرع العراقي هنا لم يتطرق صراحة بإمكانية المطالبة للمتضررين بالتعويض أو اللجوء إلى المحاكم المدنية في هذا الجانب، ويختم المشرع العراقي هذا التشريع بالزام مجلس الوزراء لا وزارة محددة بإصدار تعليمات تسهيل تنفيذه والتي نرى ضرورة للتوسع بها لأهمية المحاور التي جاء بها القانون المعني بوصفه وأحكامه السابقة.
أخيرا في نهاية المطاف لمحاور وزوايا مقالنا، نؤكد وندعم بأن هذا القانون بنصوصه وعباراته وأحكامه لا يمكن الاستغناء عنه ولا تجاوز مضمونه وما يحققه من أهداف نظرا للحاجة الماسة اليه لتغطية متطلبات الأفراد في المجتمع العراقي لحماية الحقوق والحريات الإنسانية اجتماعيا وسياسيا وقانونيا وصحيا واقتصاديا وديموغرافيا وثقافيا وغيرها مع تحفظنا عن الأخطاء ربما أو التعارض أو التكرار أو سوء الصياغة اللفظية لبعض الأحكام وما نعتقد به من تعديل وإعادة نظر لا اعتراضا على الاتجاه التشريعي ولا رأي غيرنا من المختصين والباحثين في الحاضر والمستقبل، إلا أننا نرى بكفاية الإضافة لهذه الأحكام أو للبعض منها إلى أحكام نفس النصوص القانونية الجنائية والإجرائية الجزائية العراقية النافذة وبفصل خاص عن هذا الجانب تحديدا من خلال إعادة الصياغة لها لفظا ولغة بالتعديل وهذا ما ينسجم ويجسد ويعزز ما جاء به الدستور العراقي النافذ من قواعد ومبادئ تتعلق بحماية حقوق الإنسان… ومن الله تعالى التوفيق.