الفقه والاجتهاد علاقة تقارب أم تباعد
يستشف الباحث في المجال القانوني ازدياد الهوة مؤخراً بين الفقه القانوني والاجتهاد (القضاء) ليس فسحب على مستوى العراق إنما على الاقل في أغلب بلدان وطننا العربي؛ ولعل سبب ما سبق يعود إلى انشغال المفاصل محل البحث في عملهم بطريقة غيبت أهمية التواصل الفكري بينهما.
وإذا أردنا أن نوضح ما سبق بشيء من التفصيل، نقول أنَّ الاستاذ الجامعي ينهمك في إعداد الابحاث العلمية والقاء المحاضرات (الجانب النظري للقانون)، وفي الجانب الآخر تجد أن القاضي ينهمك في النظر في دعاوى الأفراد والفصل بينهم بالحق (الجانب العملي للقانون).
وعلى هدى ما سبق، تكمن المشكلة أنَّ الباحث في المجال القانوني يبتعد خطوةٌ تلوَّ الاخرى عن الجانب العملي للقانون، وبنفس القدر يبتعد القاضي عن الجانب النظري للقانون.
والسؤال الهام الذي يثار في هذا المجال، ماهو المفترض في العلاقة بين الفقه والاجتهاد هل يستوجب أن تكون العلاقة بينهما علاقة تقارب أم تباعد، وهل للتشريع علاقة بما سبق؟
قطعاً، العلاقة بين الفقه والاجتهاد يجب أن تكون في علاقة تقارب دائمية؛ ويعود سبب ما سبق، إلى أنَّ القاضي بحكم احتكاكه بالأفراد وإطلاعه على مشاكلهم يرصد مشكلات التشريع ونواقصه، وبحكم هذا الرصد، يستلزم البحث عن حلول تواءم حاجات المجتمع، وهذه المعالجة ينبغي أن تكون بدراسة معمقة يضطلع بها مختص (اختصاصاً دقيقاً)، يخرج بعدها بنتائج ترشد المشرع إلى الحل الواجب الاتباع.
وإذا أردنا أن ندلل على ذلك يكفي القول ما وصل إليه المشرع الفرنسي على الأقل في مجال الالتزام بالاعلام، الذي بدأ من الاجتهاد الخلاق (القضاء) في مطلع ثمانينات القرن الماضي، ثم بُحث هذا الموضوع من قبل الفقه القانوني، وتوجت معالجة الفقه والقضاء بتعديل القانون المدني في سنة (2016) واعتبار الالتزام بالاعلام التزاماً قانونياً (أيّ منصوص عليه في القانون).
وفي ضوء ما سبق، القاعدة في إصدار التشريع، أنَّ المشكلة تنظر وتعالج عملياً من قبل القاضي، ثم يبحثها الفقه ويخرج بنتائج تكون في صورة مشروع قانون، وبعد ذلك يصدر التشريع أو يعدل كلٌ بحسب الأحوال. وفي تقديرنا إنَّ أيّ خلل في التئام أركان هذه القاعدة، يؤثر في قيمة التشريع الصادر أو المعدل لناحية معالجته لحاجات الافراد.
وبناءً على ما سبق، نأمل وندعو إلى ضرورة التقارب بين الفقه والاجتهاد، بطريقة يكون كل من الباحث في المجال القانوني والقاضي ملماً بالجانب النظري والعملي للقانون. ويمكن ترجمة ذلك بصورة السماح للاستاذ الجامعي مثلاً بممارسة المحاماة بضوابط محددة، كذلك إتاحة الفرصة للسادة القضاة التدريس في كليات القانون على الاقل في المواد الاجرائية كالمرافعات المدنية وأصول المحاكمات الجزائية مثلاً. سيما وأننا في العراق نمتلك كماً كبيراً من الاستاذة الجامعيين الضليعين في المجال القانوني وبنفس القدر نتملك قضاة أكفاء لا يخافون في الله لومة لائم. وبذلك نتمكن من تحقيق التقارب المنشود، ونبتعد عن أختلال موازين التشريعات.
م.م محمود عادل محمود
mahmud_adel@uodiyala.edu.iq