اعداد: الأستاذ المساعد الدكتور حيدر نجيب أحمد المفتي
drhaidernajeebahmedalmofty@gmail.com
صدرت مؤخرا قرارات من الجهات الإدارية وعلى رأسها وزارة الداخلية الموقرة بمتابعة ومحاسبة أصحاب المحتوى الهابط لمن ينشر مقاطع غير مدروسة وغير لائقة في مواقع التواصل الاجتماعي المعروفة لدى الكثير من أبناء المجمع العراقي او الاصح المنتقدين لمحتوى هذه المقاطع والتي كانت ولا تزال محل اهتمام ونظر الأجهزة الأمنية العراقية باستمرار من خلال تشكيل لجان مختصة لمتابعة هذه التصرفات ومدى تأثيرها على الذوق العام في المجتمع مع تقديم أصحابها ومروجيها للعدالة والقضاء العراقي الموقر، وحقيقة القول من جانبنا نحن ندعم ونؤيد هذه الجهود الإيجابية الحثيثة في تطهير المجتمع من هؤلاء ونتمنى الإصلاح والتوفيق للجميع لضمان النظافة المجتمعية العراقية، ولكن هنالك من استغل هذا التصرف للحد من ظاهرة المحتوى الهابط متناسيا التأثير الذي بدا واضحا في الشارع العراقي وذهب بجملة من الانتقادات من حيث ان هذه الإجراءات ليست الا تكميم للأفواه وتقييد ومحاربة التعبير عن الرأي متناسين في نفس الوقت العادات والتقاليد للمجتمع العراقي العريقة القديمة تاريخيا ومتناسين لحالة واقعية لما في هذه المحتويات الهابطة من مقاطع استهزاء وربما حالات فساد واضح وتخريب واعتداء على حريات وحقوق الاخرين من أبناء المجتمع العراقي، فالكثير من يستفيد من هذه المقاطع والنشر الهابط للحصول حتى على المال بفعل كثرة المشاهدات للأسف، ولا نريد هنا ان نتدخل بحياة وارزاق البعض ولكن محاولة منا للرد على هكذا اراء تحاول استغلال الموقف للتأثير على عملية تطهير المجتمع العراقي من الأفكار البائسة والدخيلة على مجمعنا العراقي الأصيل ذو الجذور التاريخية العريقة والإسلامية وهذه التصرفات واقعيا تتصف بانها مؤثرة سلبا على مستقبل حتى أبنائنا وغيرهم بسبب تأثيرها المباشر وغير المباشر على الذوق العام وحتى الثقافة المجتمعية.
ابتداء لابد من التعرف على مفهوم او معني الذوق العام ثم التطرق لتعريف السلوك الفردي الذي بدوره قد يكون سلبيا بنظر المقابل فيكون سببا للتأثير على الذوق العام اجتماعيا فيعتبر بذلك فعل مجرم من الناحية القانونية الجزائية وحتى المدنية، وقد قال الله تعالى عن الذوق بعد بسم الله الرحمن الرحيم (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ) صدق الله العظيم (الآية 11-سورة الحجرات)، فالذوق العام ليس بحاجة للفلسفة في توضيح معناه لأنه نابع من جملة الاخلاق والسلوكيات الحسنة المبنية على جملة من القيم التي تتصف بالتحلي بالصدق والأخلاق والأمانة والإخلاص في التعامل مع الاخرين من افراد المجتمع، فهو قائم على حسن التعامل بين أبناء المجتمع الواحد وحتى مع غيرهم في الترحال الى بلدان والاختلاط بالمجتمعات الأخرى الأجنبية، فهو احترام الذات البشرية الشخصية والاحساس بالغير المقابل بما يرضي الذات للمتصرف او صاحب السلوك الفردي، وبعبارة ثانية ان يضع الفرد المتصرف شخصه مكان غيره المقابل المتلقي للتصرف ويقيس تصرفه على نفسه أولا هل سيرضى بتصرفه اذا صدر من الشخص المقابل لو تصرف نفس تصرفه تجاهه في نفس الوقت والمكان، فهو الشعور والاحساس بالغير وقت التصرف والمكان هل هو مرضي للشخص المقابل او مجموعة اشخاص محددين ام غير محددين في المجتمع ام بخلاف ذلك، فكل تصرف للشخص انما يعكس التربية والأخلاق التي تعلمها من اسرته والبيئة التي يعيش فيها، فهناك الكثير ممن يتصور ان تصرفاته صحيحة ويعشق ويحب ذاته ويتصور ان سلوكه الشخصي مرضي للمقابل بل وقد يشتهر به وسيقلده الجميع وهذا هو بحد ذاته مرض نفسي وحالة مرضية تؤثر على الذات البشرية ونفس المتصرف، حيث ان تصرفه غير لائق او يلاقي انتقادات من الكثير فينكر ذلك الانتقاد ويتصور بانه محارب وعليه الاستمرار في سلوكه لتحقيق الانتصار، اما السلوك الفردي فهو حالات نفسية واجتماعية تنبع من الشعور والاحساس الداخلي واظهاره بتصرفات ارادية للخارج ليسمع ويرى من الغير من افراد المجتمع وقد يكون هذا السلوك او التصرف إيجابي او سلبي بحسب الحكم عليه بموجب التقاليد والأعراف المجتمعية او الدين الإسلامي، وفي الواقع فان الذوق العام في التعامل مع الاخرين والسلوك او التصرف الشخصي الفردي انما ينبعان من مصدر واحد فكلاهما يعكسان ويعبران عن التربية والأخلاق للمتصرف او صاحب السلوك السلبي اذا كان فردا فيما يصدر منه من سلوك او تصرف او يعيش بين الجماعة ومن ثم سينسب التصرف الفردي لنفس الشخص المتصرف بسوء او بالإيجاب في سلوكه وتعامله مع الغير، وما يهمنا هنا التأثير السلبي للمتصرف على الذوق العام وهل هنالك من سيحاسبه وحدود هذا الحساب؟، وفي الواقع فان التصرف السلبي سيؤثر قطعا على الذوق العام للأفراد وسيكون مصدر ازعاج رسمي بقعل النشر على صفحات التواصل الاجتماعي التي ستظهر بشكل عشوائي للمتلقي والمتصفح للبرامج، فأصحاب المحتوى الهابط كثيرون وينشرون ويجب على الفرد أيا كان عمره وجنسه ان يرى بدون ان يكون له الخيار برفض المحتوى او الامتناع عن ذلك، وبذلك يفرضون أعمالهم المسيئة والمؤثرة على الذوق العام رغما عن رضا النفس البشرية للمتلقي او المتصفح وبشكل رسمي مستغلين بذلك حرية التعبير عن الرأي المحمية باسم القانون وحرية النشر بدون حظر ومنع للأسف.
فمن يتصرف تصرفا او سلوكا مسيئا منافيا للأخلاق والذوق العام انما يعبر عن نفسه، ولكن لا يجوز فرضها على غيره من أبناء المجتمع العراقي ويجب ان يحاسب عن ذلك السلوك السلبي، ولكن ما هي الوسائل القانونية التي يمكن اعتمادها لمحاربة هؤلاء، في الواقع فان قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 المعدل لم يتضمن نصوص قانونية تشير صراحة بالنص للمسائلة القانونية عن هكذا تصرفات سلبية، وانطلاقا من مبدأ لا عقوبة ولا جريمة الا بنص فان هؤلاء يكونون بحماية قانونية غير مسؤولون قانونا من المحاسبة والردع او الزجر الا اذا كانوا يقصدون اشخاص محددين بالذات او جهات محددة عندها يمكن اتخاذ الإجراءات القانونية بحقهم، ولكن ما هو الحل اذا كان التأثير عاما دون جهات او اشخاص محددين بالذات، عندها على الافراد اتخاذ موقف المستمع المتفرج ويجب عليهم تحمل هكذا نماذج وتصرفات سيئة سلبية قطعا، لذا فإننا من موقعنا وفي مقالنا هذا ندعو ونقترح او نوصي المشرع العراقي بإيراد وصياغة نص قانوني خاص في قانون العقوبات العراقي النافذ ليتناول في مضمونه صياغة قانونية لفظية بشمول هكذا تصرفات غير مسؤولة وسلبية مؤثرة عموما على الذوق العام والتقاليد والأعراف مع إمكانية المطالبة بالتعويض واللجوء الى المحاكم المدنية للمطالبة بالتعويض من صاحب السلوك السيء المؤثر على الذوق العام عن هكذا تصرفات وخصوصا في حالة ثبوت الجريمة او الفعل المجرم داخل هذا الاطار لا مجرد الاستناد الى أفعال مجرمة أخرى في نفس القانون لترتيب المسؤولية الجزائية، مع مراعاة حالة التشديد بالعقوبة لان الاعتداء قد وقع على اكثر من شخص في المجتمع، وبتنظيم للفعل المؤثر والمجرم من الناحية القانونية، فأركان الجريمة ببساطة هي الركن المادي وذلك بثبوت السلوك او التصرف السيء المؤثر والثابت بالمقطع المنشور او حالة ووضع النشر وثبوت الركن المعنوي الذي يتصل باتجاه الإرادة للمتصرف المتهم بالنشر وخلو المقطع من الفكرة الإيجابية المرضية وغيابها لإيصال فكرة إيجابية عن التصرف فالمحاسبة مسبقا وجدنا انها كانت على أساس أفعال مجرمة أخرى بل وكانت غير مؤثرة للأسف في أصحاب المحتوى الهابط بل كان البعض منهم من عاد لنفس الفعل الغير لائق بل وتفنن اكثر بالتأثير بالذوق العام متحديا حتى الإجراءات التي اتخذت مسبقا بحقه او ستتخذ لاحقا، فالإجراءات الإدارية للجهات المختصة الموقرة لم تكن بالمستوى المطلوب اجتماعيا لعدم القضاء على هكذا حالات في المجتمع فالتشدد في هكذا أوضاع عقابية هو امر ضروري وايجابي للقضاء والتخلص من هذه المؤثرات السلبية على الذوق العام، ونقول بتواضع لمن يدافع عن هكذا تصرفات سلبية بحجة التعبير عن الرأي باعتباره من حقوق الانسان ان نفس الشخص صاحب التصرف الشخصي او السيء هو بحاجة لحماية نفسه من نفسه اذا ما كان انسانا سويا بل ان بعض حقوق الانسان قد تستخدم للاعتداء على ذوق وحرية الاخرين من افراد المجتمع فلا يجوز لا شرعا ولا قانونا استخدام الحق الشخصي للإنسان بتصرفات تشكل الاعتداء على حقوق الاخرين ايضا بحجة الحق في التعبير عن الرأي، فمن حق افراد المجتمع أيضا العيش بسلام بعيدا عن الضوضاء والمقاطع السيئة والمخربة للذوق العام وما تربى عليه الانسان من ثوابت وقيم واخلاق حميدة تنبع من الإسلام والأعراف والتقاليد والرقي الاجتماعي بدون ازعاج فكري من الغير وبفرض تصرفاته على غيره وانتهاك حياته الاجتماعية، فمن يدافع باعتقادنا المتواضع يعتبر بحكم القانون محرض ومشترك بالفعل المجرم ايضا…
تم بتوفيق من الله تعالى…