المسؤوليَّة القانونيَّة للمريض عن إخفاء حالته الصحية
"دراسة في ضوء القانون العراقي"
Mahmoud.adil@law.uodiyala.edu.iq م.م محمود عادل محمود
عالجت التشريعات الحديثة التزام الطبيب والصيدلي بتبصير وإعلام من يتعامل معهم من الأشخاص عن حالتهم الصحيَّة، ودرجت المحاكم – على ضوء ذلك – بمسائلة كل يتقاعس عن تنفيذ هذا الالتزام، فضلاً عن تعويض المتضرر جراء هذا الأمر.
غير أنَّ ما تجب ملاحظته في هذا الصدد، أنَّ التشريعات المذكورة آنفاً، لمْ تقمْ بتوضيح – بشكل صريح – مسؤوليَّة المريض فيما إذا أخفى حالته الصحية، وكيف يمكن تعويض المتضرر جراء إخفاء المعلومات المتعلِّقة بحالته الصحية (خصوصاً بالنسبة للأمراض القابلة للانتشار) فكيف يمكن للقضاء التعامل مع نزاع مفاده إصابة شخص ما (كالطبيب مثلاً) بضرر معين بسبب إخفاء المريض لحالته الصحية؟
من الناحية الجنائيَّة، أشارت المادة (368) من قانون العقوبات العراقي النافذ إلى أنَّه: "يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على ثلاث سنوات كل من ارتكب عمداً فعلاً من شأنه نشر مرض خطير مضر بحياة الأفراد؛ فإذا نشأ عن الفعل موت إنسان أو إصابته بعاهة مستديمة، عوقب الفاعل بالعقوبة المقرَّرة لجريمة الضرب المفضي إلى الموت أو جريمة العاهة المستديمة حسب الأحوال"؛ كذلك أشارت المادة (369) إلى أنَّه: "يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنة أو بغرامة لا تزيد على مائة دينار كل من تسبب بخطئه في انتشار مرض خطير مضر بحياة الأفراد، فإذا نشأ عن الفعل موت إنسان أو أصابته بعاهة مستديمة، عوقب الفاعل بالعقوبة المقرَّرة لجريمة القتل خطأ أو جريمة الإيذاء خطأ حسب الأحوال".
من مطالعة وتحليل النص المتقدِّم، يفهم أنَّه يمكن للقاضي الجنائي، معاقبة كل من يخفي معلومات حالته الصحية بتعمُّد، بعقوبة الحبس لمدة لا تزيد عن ثلاث سنوات، مع إمكانية تشديد العقوبة، بحسب الضرر اللاحق بالمتضرر، كما يمكن لذات القاضي إذا تبين له عدم وجود القصد لدى المريض من إخفاء حالته الصحية، معاقبته بعقوبة الحبس لمدة لا تزيد عن سنة واحدة، مع منحه أحقية زيادة هذه العقوبة، إذا ما نشأ عن هذا الفعل إصابة المتضرر بعاهة مستديمة، أو أدى إلى وفاته.
أمَّا من الناحية المدنية، فالقانون المدني العراقي لمْ يعالج هكذا فرضية، واستناداً إلى المادة (30) من قانون المرافعات العراقي، فإنَّ القاضي لا يحق له الامتناع عن الفصل في الدعوى بحجة غياب النص أو عدم وضوحه، وإلا اعتبر ممتنعاً عن أحقاق الحق، وبالتالي، يلتزم القاضي بحسم هذا النزاع، وفقاً لقواعد المسؤوليَّة التقصيريَّة، إذ يوجد التزام مفروض على الكافَّة مفاده عدم الإضرار بالغير، ومن يخالف هذا الالتزام يلتزم بتعويض كل من تضرر جراء هذا الأمر.
وبالاستناد إلى (204) من القانون المدني العراقي، فإنَّ كل تعدِ يصيب الغير بأيّ ضرر يستوجب التعويض.
وعلى ذلك، يلتزم المتضرر – حتى يستحق التعويض – أثبات أركان المسؤوليَّة التقصيريَّة، وهي الخطأ والضرر والعلاقة السببية، فبالنسبة للخطأ في هذا المجال، يُشكل كل مخالفة للالتزام العام المفروض على الكافَّة الذي مفاده عدم الأضرار بالغير، إذ يجب على المدعي إثباته بالصورة التي ظهر بها، وهو أمَّا يظهر بصوُّرة إيجابية كتقديم المريض معلومات كاذبة عن حالته الصحية، وأمَّا بصورة سلبية كسكوت الأخير عن حالته رغم تنبيه الطبيب أو من يقوم مقامه وسؤالهِ عنها.
أما الضرر، فينبغي على المتضرر إثبات الأذى الذي ألم به سواء أكان هذا الضرر مادي أصابه بجسده أو أمواله، أم معنوي أصابه في مشاعره وعواطفه.
أمَّا بالنسبة للعلاقة السببية، فيجب على المتضرر إثبات علاقة الضرر الذي أصابه بالخطأ الصادر من المسؤول وهو المريض؛ فإذا تمكن من هذا الإثبات، فيصار حينها إلى التعويض.
والتعويض في هذا المجال، يقصد به بأنَّه مبلغ من المال تحدده المحكمة على المسؤول، يُدفع إلى المتضرر كترضية له عما أصابه من ضرر.
ويشمل التعويض كل الخسائر الماديَّة والمعنويَّة التي أصابت المتضرر، فبالنسبة للخسائر الماديَّة يلجأ القاضي إلى تحديدها من خلال تقسيم الضرر إلى عنصرين: الخسارة اللاحقة والكسب الفائت، أمَّا بالنسبة للخسائر المعنويَّة، فيحددها القاضي من بشكّل مباشر من دون الالتزام بالمعايير المذكورة آنفاً؛ نظراً لأنَّه لا يبغي من فرض التعويض عن الضرر المعنوي إعادة الحال إلى ما كان عليه، أنما تخفيف وطأة الضرر عن المتضرر.
وعلى كل حال، وقبل إنهاء هذا الموضوع، لا بد من الإشارة إلى أنَّه على الرغم من إمكانية القواعد العامة من معالجة مسؤوليَّة المريض عن إخفاء حالته الصحية، إلا أنَّ هذه المعالجة لا تنال من اعتقادنا التام، بضرورة التدخل التشريعي لغرض تنظيم هذا الأمر بنصوص صريحة وواضحة، فالإثبات، وإنْ كان سهلاً من الناحية النظريَّة، إلا أنَّه من الناحية العمليَّة صعب، فالأطباء مثلاً يتعاملون يومياً مع حالات متعدِّدة لا حصر لها، فكيف يمكن لأيّ منهم أثبات أنَّ من أخفى حالته الصحية، هو من تسبب وحده بحصول الضرر إليه؟
لذلك، وبناءً على ما سبق، نعتقد أنَّ الحل الناجع للفرضيَّة محل الدراسة، هو وضع تنظيم قانوني خاص لمسؤوليَّة المريض عن إخفاء حالته الصحية، على أنْ يكون أساس انعقاد هذه المسؤوليَّة موضوعي ليس شخصي، مع ضرورة قلب عبء الإثبات على المريض الذي أخفى معلومات حالته الصحيَّة، حتى لا نغالي في حماية المريض على حساب الأخرين (بشكل عام)، ونضع معيار للموازنة – حقيقي – بين المرضى والاطباء (بشكل خاص).