جريدة الشروق التونسية تنشر مقالة للدكتور حسن تركي عمير
مقالة للدكتور حسن تركي عمير نشرت في جريدة الشروق التونسية
(هل من حرب باردة في ظل المتغيرات )
تطرح عودة التوتر في العلاقات الدولية بين الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا الاتحادية على اثر الأزمة الأوكرانية من جهة والأزمة السورية من جهةٍ أخرى أسئلة هامة حول مسيرة العالم في السنوات القادمة. ومنها، هل من عودة للماضي لإعادة إنتاج نظام دولي قديم يقوم على أسس الحرب الباردة بين قطبين احدهما رأسمالي والأخر اشتراكي كما عرفناها بعد الحرب العالمية الثانية؟، أم أنه يسير نحو نظام دولي جديد يأخذ مكان النظام العالمي الراهن والذي ميّز العلاقات الدولية إثر سقوط جدار برلين عام 1989 وانهيار المعسكر الاشتراكي نهاية عام 1991 والهيمنة المطلقة للولايات المتحدة الأمريكية على العالم مع بداية القرن الحادي والعشرين؟.
وقد يتفق الكثير من الباحثين على خطورة الوضع العالمي وحساسيته إثر تنامي الخطر الإرهابي في العالم والمنطقة العربية بشكلٍ خاص، فضلاً عن الأزمات الاقتصادية والكوارث الطبيعية وما رافقها من تفتت اجتماعي واختلاف حول مصير العالم وتطوراته المستقبلية في ظل المتغيرات. ووفقاً لهذه التطورات انقسم الباحثون والخبراء المهتمون في الشأن العالمي إلى اتجاهين متباينين: أكد الأول على أن الوضع العالمي الراهن سيشهد إعادة إنتاج الحرب الباردة وهندسة توازن الرعب بين القطبين الذي عرفه العالم إثر الحرب العالمية الثانية، وقد ذهب المدافعون عن الاتجاه الأول بأن تزايد التوترات بين أمريكا وروسيا على خلفية الأزمة الأوكرانية أكبر دليل على هذه الحرب الباردة الجديدة، وقد نتج عن هذه الأزمة اصطفاف البلدان الأوروبية خلف أمريكا لمواجهة الدب الروسي القادم من الصقيع. ويذكر هذا الاصطفاف بما عرفته أوروبا بدعمها لأمريكا خلال الحرب الباردة داخل منظمة( OTA N) كما ذكرت الإجراءات الردعية التي اتخذتها أمريكا ودعمتها أوروبا ضد روسيا بنفس الإجراءات في فترة الحرب الباردة.
ويعدَ المدافعون عن فكرة الحرب الباردة الجديدة دعم روسيا الاتحادية للتكتل الاقتصادي الجديد للبلدان الصاعدة في إطار مجموعة (البريكس) والتي تضم كل من البرازيل والهند وجنوب إفريقيا والصين ما هي إلا محاولة لخلق تحالف جديد مناهض للتحالف الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية.
إلا أن هذا الموقف واجه نقداً كبيراً من الاتجاه الآخر باعتبار أن الحرب الباردة قد ولّت وانتهت ولا يمكن العودة إليها، ويعتقد هؤلاء أن عودة العلاقات بين الولايات المتحدة وكوبا والاتفاق حول الملف النووي الإيراني، ما هي إلا مؤشرات هامة على نهاية الحرب الباردة. بينما يرى المناهضون لفكرة عودة الحرب الباردة أن روسيا لا تمتلك المقومات الاقتصادية والسياسية والأمنية ما يجعلها قادرة على بناء قطب عالمي قادر على منافسة أمريكا.
إذن هذا الاتجاه يؤكد بأن نظام القطبية الثنائية قد اندثر ولا يمكن أن يعود. والدليل أن العالم في الفترة الحالية يشهد تشكّل نظام جديد متعدد القطبية تلعب فيه القوى الإقليمية وتحالفاتها دوراً هاماً لا يمكن لأي قوة منفردة أو قوتين أن تبسطا سيطرتهما على العالم.
ورأينا يميل نسبياً إلى الموقف الثاني كونه الأقرب إلى الصواب ولو أن بعض الخلافات والتوترات تذكرنا بتلك التي عشناها وعرفنا مخاطرها في فترة الحرب الباردة (1946-1991). خاصة وان المخاض الذي يعرفه العالم اليوم يشهد تحوّلاً من عالم يحكمه قطب أو قطبان إلى نظام متعدد الأقطاب وإلى انحلال مؤسسات العالم القديم وفقدانها لقدرتها على إدارة الشؤون الدولية والتنقيص من حدَة التوترات العالمية ونار الحروب.
ان تصاعد وتيرة الحروب وحدَة النزاعات جعلتا العالم اليوم أقل أمناً واستقراراً، وفي تقديرنا إن فتحت التعددية القطبية المجال لبناء نظام عالمي أكثر تنوعاً وانفتاحاً على أكبر عدد من البلدان وبصفة خاصة الدول النامية في آسيا وأمريكا اللاتينية وإفريقيا فإنه لا بد من إصلاح المؤسسات الموروثة وبناء مؤسسات جديدة كي تصبح التعددية والديمقراطية واقعاً ملموساً في العلاقات الدولية ولا تكون الفوضى والعنف بديلاً للهيمنة في النظام الدولي الجديد.
ومع أن العالم أوشك أن يودع عام 2015 فيما يسود الشرق الأوسط ومناطق أخرى من العالم جو من التوتر والمواجهات المسلحة، فان الأمور خلال العام القادم تلوح «حبلى» بالمواجهات و النزاعات التي تبدو مرشحة للتفاقم على أساس حقبة توديع العام المنتهي 2015، خاصة وأن أجواء الحرب الباردة أصبحت حقيقية وستشمل الاقتصاد والسياسة و ملفات جيوسياسية.