قراءة في الية الاعتراض على القرارات الإدارية لضريبية الاستقطاع المباشر
م. حيدر نجيب أحمد فائق ahmed.haider2016@mail.ru
حق الاعتراض على القرارات الإدارية الضريبية له تطبيق واسع وتنظيم قانوني قد يتسع أو يضيق في مدى الإنصاف وضمان الحقوق لأصحاب العلاقة المكلفين بدفع الضريبة، إلا أن هذا التنظيم لحق الاعتراض قد جاء مختلف في اغلب التشريعات الضريبية العراقية برغم الاعتراف التشريعي به صراحة بحسب الجانب الذي ينظمه نفس التشريع المعني باختلاف التنظيم إذا ما كان ضريبة دخل أو عقار أو عرصات وغيرها، وكذلك الوضع في الأحكام الواردة ضمن التعليمات الضريبية التي لها قوة القانون في الإصدار والتطبيق والصادرة استنادا لنص المادة 61/ رابعا من قانون ضريبة الدخل العراقي رقم 113 لسنة 1982 المعدل والتي قضت بمنح وزير المالية أو من يخوله صلاحيات لإصدار تعليمات تطبيق هذا القانون في جانب تعيين ماهية الرواتب والمخصصات والأجور التي تستوفي عنها الضريبة بطريقة الاستقطاع المباشر بالإضافة إلى جوانب وأمور أخرى قد تكون بعيدة عن محاور مقالنا هذا لن نتطرق اليها بالتوضيح، وخير ما يلاحظ على هذه التعليمات بالرقم 1 لسنة 2007 إنها تبنت تنظيم الية محدد وخاصة للاعتراض على القرارات الإدارية التي تفرض الضريبة بموجبها على الرواتب والأجور وما يتصل بها من مخصصات بأنواعها عن دخل المنتسب العامل في دوائر الدولة والقطاع العام والمختلط والخاص مع مراعاة جانب الإعفاءات والمساحات القانونية، والاعتراض المنظم في نفس متون الأحكام للتعليمات الضريبية المشار اليها نجدها مختلفة أحيانا ومتشابهة كثيرا في ذات الوقت مع ما جاء به ذات القانون الضريبي على الدخل العراقي النافذ حاليا والذي استندت اليه في الإصدار والتطبيق من تسميات وأوصاف وأحكام بشكل عام مع وجود الخصوصية في بعض الأوضاع القانونية لها بحكم صفات المشمولين بها عند استقطاع وفرض الضريبة مباشرة على الدخل وفق استمارات ونسب مئوية خاصة وبفترات زمنية محددة، وقد تضمنت تعليمات الاستقطاع المباشر لضريبة الدخل تنظيم حق الاعتراض بمراحله ومدته وشروطه وكل الإجراءات الشكلية والموضوعية لصحته وقبوله في المادة 14 من الفصل الثالث عشر وتحت عنوان (الاعتراض والاستئناف…) وعلى ثلاث مراحل نظريا وواقعيا تتلخص بالإداري والاستئنافي وحتى التمييزي بالإحالة في التطبيق إلى نص المادة 40 من قانون ضريبة الدخل العراقي النافذ، مع ملاحظة أن عنوان الفصل السابق في الوصف والتحديد ضمن التعليمات جاء بمنظورنا القانوني بشكل غير متفق مع المحتوى لعناوين وتسميات مراحل الاعتراض نفسها بحيث لا يدل في كلماته كعنوان صريح على جميع المراحل في جانب الاعتراض.
بداية القول للمرحلة الأولى في الاعتراض الإداري، بعد أن يتم تحديد مقدار الدخل الخاضع للضريبة وقيمة الضريبة المترتبة عليه يجب على هيئة الضريبة تبليغ ذوي العلاقة القانونية بالاستقطاع وهم كل من المنتسب أو صاحب العمل، وهو إلزام قانوني واضح يقع على عاتق الجهة الإدارية المختصة وليس بالاختيار أو التخيير لهذه الجهة من صراحة مفهوم ومضمون الحكم وهذا ما يشير قطعا إلى الشفافية والدقة والوضوح في الجانب الضريبي وان القرار الإداري الضريبي اصبح نهائي وقابل للتنفيذ، ومن خلال الاطلاع على صياغة الحكم الخاص بتقديم الاعتراض نلاحظ التخيير فيه لذوي العلاقة القانونية المكلفين في الاعتراض أو عدم ذلك، فاذا رغب المكلف بعد التبليغ بالقرار الاعتراض فعليه التقدم بطلب إلى الهيئة العامة للضرائب والى قسم الاستقطاع المباشر فيها تحديدا دون الجهات الأخرى بالنسبة لصاحب العمل وعن الموظف فان الطلب يقدم من خلال الجهة الإدارية التي يعمل بها، ولم تحدد التعليمات شكلية الطلب المقدم من المعترض صراحة وإنما يوجب الحكم في حالة الاعتراض أن يقدم الطلب بشكل تحريري مبينا فيه أسباب الاعتراض والطلبات ومؤيد بالمستندات والوثائق التي تثبت وجه وأسباب الاعتراض بما يخالف مقدار الدخل أو الضريبة المفروضة، ومن هنا يتضح أن طلب الاعتراض وما يجب أن يرفق به يؤكد جدية الاعتراض وليكون منتج في آثاره عللا أن يكتب بشكل واضح ودقيق في كلماته ومعانيها بما يفيد وجود خطأ أو مخالفة للقانون والتعليمات في تقدير الدخل الخاضع للضريبة ومقدارها، وان الاتجاه في التخيير بالاعتراض أو على العكس من ذلك وما يجب ربطه من وثائق تؤيده هو نفس الاتجاه التشريعي الذي جاء به قانون ضريبة الدخل العراقي السابق أعلاه، ويجب على المعترض أن يتقدم بالاعتراض إلى الجهة الإدارية المختصة في خلال 21 يوم من تاريخ التبليغ بالضريبة المفروضة على الدخل مع منح السماح بقبول الاعتراض بعد مضي مدة الاعتراض السابقة بشرط قناعة وقبول القسم المختص بأسباب التأخير التي لم تحددها التعليمات ولا حتى القانون الضريبي الذي استندت عليه، فالأمر متروك لسلطة الإدارة التقديرية في هذا الجانب برغم التقييد التشريعي لمدة تقديم الاعتراض نفسه، ونعتقد أن مظاهر القوة القاهرة والمرض أو الوفاة لأقارب المكلف بدرجة قرابة معينة أو السفر خارج العراق أو غير ذلك من أوضاع مع وجود الوثائق المؤيدة ستكون خير دليل قانوني لقبول نظر الاعتراض مجددا بعد مضي المدة المحددة والتأخير وحسنا فعل مشرع التعليمات بهذا الاتجاه، إلا أن التعليمات لم تحدد المدة القانونية التي يجب على جهة الإدارة نظر الاعتراض فيها وكان الأفضل تحديدها لوجود مرحلة لاحقة أخرى في حالة استمرار الاعتراض والنزاع الإداري الضريبي لضمان الحقوق والمصالح وغيرها من مبررات لا يسعنا الولوج في تفاصيلها ضمن مساحة مقالنا المتواضع هذا، كذلك من بين الأحكام التي جاءت بها التعليمات أيضا شرط دفع مبلغ الضريبة بالكامل لقبول نظر الاعتراض مع إمكانية التقسيط للمبلغ بالاعتماد على السلطة التقديرية للإدارة الضريبية المختصة وقناعتها بتحقق العجز الفعلي للمكلف المعترض إداريا عن دفع كامل مبلغ الضريبة المقدرة نقدا وهذا ما يقع عبء إثباته على المكلف المعترض قطعا، وهو شرط كقاعدة عامة بالدفع الكامل نقدا أو الاستثناء بالتقسيط نراه غير مجدي عمليا لتعارضه مع الهدف من الاعتراض نفسه ناهيك عن الروتين الإداري المعقد في هذا الجانب وزيادة في التكاليف والجهد والوقت وخصوصا في حالة ثبوت الحق للمعترض بعد نظر الاعتراض ومشروعيته، وبذلك نعتقد بكفاية التعهدات والكفالة الشخصية أو حتى العقارية أيضا لتجنب ذلك الشرط أو الحكم السابق، مع ملاحظة الغياب الكامل الصريح لحالة التفاوض إداريا بين المعترض وجهة الإدارة الضريبية وكما هو عليه الوضع في قانون ضريبة الدخل العراقي خلال مرحلة الاعتراض الإداري والذي نعتقد بأهميته في هذا الجانب لحل النزاع الإداري مباشرة لتجنب الإطالة واختصار الروتين والجهد والنفقات على المعترض بالمقارنة مع المرحلة اللاحقة الاستئنافية في حالة الاستمرار بالاعتراض وطالما كانت التعليمات في أحكامها صراحة تعطي صلاحيات وسلطات تقديرية في مجالات أخرى كاستثناء من القاعدة العامة، ونكتفي بهذا التوضيح تجنبا للإطالة لمرحلة الاعتراض الإداري لننتقل إلى المرحلة الثانية من الاعتراض الاستئنافي وشروطها.
ومن باب العدالة والأنصاف التي تحققها التعليمات السابقة في تحديدها أعلاه وبأحكام صريحة هو أنها تفتح الباب بتقديم الاعتراض الاستئنافي لصاحب العلاقة المتضرر من قرار الإدارة العامة للضرائب من جراء رفض اعتراضه الإداري مع ضرورة تقديم الوثائق التي تؤيد الاعتراض أمام لجان الاستئناف التي تعمل ضمن هيكلية الإدارة العامة للضرائب نفسها والتي يبدو أن تشكيلها بعضوية مطابقة تماما لما جاء في القانون الضريبي العراقي على الدخل النافذ في المادة 37 منه ومن دون تغيير عند الاعتراض استئنافيا في اطار أحكامه، وتقتضي التعليمات بأن يكون الطلب على شكل عريضة تقدم لهذه اللجان الاستئنافية التي نعتقد بانها شبه قضائية لأنها لا تمثل محاكم مستقلة مدنية أو إدارية ولا حتى محاكم ضريبية مستقلة متخصصة، وهذا ما يدعو إلى الشك في التزام الحيدة والنزاهة في تجنب التأثير بسبب عدم الاستقلال عن هيئة الإدارة العامة للضرائب بمنظورنا القانوني لا اعتراض على رأي غيرنا من المختصين ولا تجاوز من جانبنا على إرادة صانعي القرار والتعليمات أو المشرع الضريبي العراقي على الدخل، فمن ينظر الاعتراض إداريا وحتى استئنافيا كان ولا زال هو الخصم والقاضي بشكل عام ويعمل ضمن الهيكلية الإدارية لهيئة الضرائب العامة مع تصور عدم اعتراف الإدارة بالخطأ أو المخالفة وان كانت هذه هي حالة نادرة إضافة إلى تحكم هيئة الضريبة بقبول طلب الاستئناف أو رفضه بحسب قناعتها وغير ذلك من مبررات لا نجد مساحة لتغطيتها، وتستمر التعليمات بتنظيم الية الاستئناف للقرار الإداري الضريبي بتحديد شروط لا يمكن تجاوزها لتمرير قبول نظر الاعتراض وذلك بضرورة تقديم الطلب الاستئنافي خلال مدة 21 يوم من تاريخ التبليغ لصاحب العلاقة بقرار رفض اعتراضه الإداري وبنفس الاتجاه السابق للاعتراض الإداري تسمح التعليمات بإعطاء الفرصة لتقديم الاعتراض الاستئنافي بعد مضي المدة المحددة انفا على سبيل الاستثناء من القاعدة العامة وتوفر القناعة الإدارية بذلك وأسباب التأخير، ولم يحدد في التعليمات اهم المعايير القانونية المعتمدة في هذا الجانب، ولا ينظر في الاعتراض الاستئنافي ما لم يدفع المستأنف مبلغ الضريبة كاملا وبالنقد تحديدا مع إمكانية التقسيط للمبلغ بعد حصول الموافقة وقناعة الجهة الإدارية الضريبية التقديرية بعجز المستأنف عن الدفع الكامل نقدا، ويكون استحصال مبالغ الأقساط وفقا لآلية خاصة تتلخص بدفع 10% من مبلغ الضريبة المقدرة مع تقسيط الباقي على اثني عشر شهر، واذا كان الأمر يتطلب التقسيط لمدة أطول من ذلك فيرفع الأمر لصلاحية وزير المالية للنظر في ذلك بالموافقة أو الرفض، وعند التأخر بدفع احد الأقساط لمدة 15 يوم من تاريخ استحقاق دفعه فيتوجب دفع باقي الأقساط فورا من دون حاجة لتوجيه التبليغ ولا الإنذار المسبق بالدفع، ويبقى موضوع دفع الأقساط بعد التأخير المقبول والمقنع أو بالإعفاء من المبالغ الإضافية داخل ضمن صلاحية الوزير أو من يخوله، وما يهم هنا هو أن لجنة الاستئناف المختصة لها صلاحية التوقف عن نظر القضية الاستئنافية اذا وجدت أن المستأنف قد توقف فعلا عن دفع الأقساط المستحقة إلا اذا بادر هو بدفعها فتستأنف اللجنة المختصة بنظر القضية من جديد، ويلاحظ عدم التحديد في أحكام التعليمات نفسها لجهة الإشعار المختصة عن توقف أو استئناف الدفع للأقساط إلا أن ظاهر الحكم يبين أن الجهة الإدارية الضريبية هي من يتولى هذه المهمة، كما ونتحفظ على ملاحظتنا السابقة أعلاه عن موضوع شرط دفع مبلغ الضريبة نقدا أو تقسيطه في هذا الجانب أيضا لكل ما سبق من مبررات في المرحلة الأولى، هذا وتستمر التعليمات في الجانب الاستئنافي بتوضيح الإجراءات المتعلقة باللجنة من حيث تبليغ اطراف العلاقة القانونية بحضورهم إلى جلسة المرافعة قبل 7 أيام على انعقادها على الأقل وان يحضر الطرفان أمام اللجنة في اليوم المحدد والساعة أو بأرسال وكيل عنهما أو الاكتفاء بما قدمه الطرفان من بيانات تحريرية مسبقا، ولم تتطرق التعليمات وكما هو الوضع لنفس القانون الضريبي على الدخل لماهية باقي الإجراءات التفصيلية للجلسة والتي نعتقد بانها ستكون موافقة لما جاءت به القوانين العراقية ذات العلاقة بهذا الجانب مثل قانون المرافعات المدنية النافذ وغيرها طالما كان رئيس اللجنة هو قاضي مع بقية الأعضاء ولعدم وجود نص قانوني أو حكم يمنع ذلك في هذا المجال تحديدا، وكان الأفضل برأينا توضيح ذلك وان كان بعبارات وصياغات لفظية مقتضبة وقاطعة للشك من باب أولى لضمان الدقة والوضوح في التشريعات والتعليمات الضريبية، وعن القرارات الصادرة من لجان الاستئناف بعد نظر القضية فإنها تنحصر بقبول الاعتراض ومن ثم الغاء القرار الإداري الضريبي والتقدير الضريبي أو بتعديل التقدير زيادة أو تخفيض مع الزام التعليمات للجنة بذكر أسباب قرارها الاستئنافي كما في القانون الضريبي على الدخل، ونرى أن صلاحية اللجنة بتعديل التقدير بالزيادة لمبلغ الضريبة يتقاطع حتما مع مصلحة المستأنف من غير جهة الإدارة الضريبية وهو امر يتعارض ولا يتفق مع القاعدة العامة التي تقضي بان لا يضار الطاعن أو المعترض من اعتراضه، ونعتقد بضرورة إعادة النظر لتعديل الحكم أو النص القانوني في القانون الضريبي النافذ، وللجنة أيضا صلاحية تأييد التقدير ورفض الاعتراض لعدم مشروعيته وكذلك في حالة عدم حضور طرفي العلاقة بدون معذرة مشروعة، أخيرا يمكن للجنة الاستئنافية تأجيل نظر القضية إلى موعد تراه مناسب حسب الأحوال وبتقديرها.
وعن المرحلة الثالثة للاعتراض، إن القرارات الاستئنافية الصادرة والمحددة أعلاه هي غير قطعية وبمكن الاعتراض عليها أمام هيئة التمييز وذلك بتقديم الطعن التمييزي والذي نظمت أحكامه في نفس نصوص القانون الضريبي على الدخل النافذ حاليا بموجب المادة 40 منه، وهي هيئة برأينا شبه قضائية للأسباب السابقة المختصرة والتي طرحت من جانبنا عن لجنة الاستئناف في أعلاه، مع مراعاة قيمة مبالغ القضايا التي يمكن اعتبارها شرط للاستمرار بالاعتراض التمييزي وهو ما قد يسبب تقاطع أو تعارض مع مصالح المتضرر من قرار لجنة الاستئناف ولكلا طرفي النزاع الراغب بالاعتراض التمييزي، علما أن قرارات هيئة التمييز الضريبية هي نهائية أو قطعية لا يمكن الطعن بها أمام جهات أخرى، هذا ويجب ملاحظة إن ظاهر الأحكام السابقة المنظمة لمراحل الاعتراض توحي بشكل واضح على وجوب اتباع ومراعاة التنظيم والتسلسل القانوني للاعتراض على القرارات الإدارية الضريبية في جانب الاستقطاع المباشر، بحيث لا يجوز الاستئناف أو التمييز مباشرة للقرارات ما لم يعترض على القرار إداريا وهكذا عن بقية المراحل الأخرى… انتهى ومن الله تعالى التوفيق.