مقالة الـتحكيـــم تحت مظــلة مركــــــز ICSID … الــى ايـــن ؟
المدرس المساعد: وديان خالد عودة.
انطلاقاً من القناعة الكاملة بالدور الهام الذي تلعبه بدائل تسوية المنازعات وعلى رأسها التحكيم تم إنشاء العديد من المراكز الدولية والإقليمية لتكون من مراكز التحكيم المؤسسي لتسوية المنازعات التجارية، ومن ضمن المراكز الدولية الهامة نجد في الخارطة المركز الدولي لتسوية منازعات الاستثمار( مركزICSID ) الذي أنشأه البنك الدولي للإنشاء والتعمير – البنك الدولي – بواشنطن ليعمل من داخل مكاتبه و ليكون من ضمن أذرعته الهامة في تقديم الدعم المتكامل للتمويل و الاستثمارات التجارية بين الدول الأعضاء.
وتم تأسيس هذا المركز بموجب معاهدة تسوية منازعات الاستثمار بين الدول و مواطني الدول الأخرى و التي تعرف ب(معاهدة واشنطن) في عام 1965 ، ويوجد بالمركز مجموعة من المحكمين و الوسطاء المستقلين وفق الأنظمة و اللوائح الخاصة بالمركز.
و صلاحيات هذا المركز و سلطاته تنحصر في تسوية المنازعات المتعلقة بالاستثمار فقط دون غيرها. ويُعد مركز(ICSID ) مؤسسة تحكيم متطورة على درجة كافية من الخبرة مما يخدم حاجات المجتمع الدولي ، كما انه أحدث وضعاً جديداً في مجال تسوية منازعات الاستثمار ، اذ انه ولأول مرة يعطي أشخاص القانون الخاص ( طبيعية أو معنوية ) الحق في اللجوء مباشرة الى جهاز دولي متخصص للتقاضي دون الحاجة للجوء الى الحماية الدبلوماسية لدولهم ، بل ان دولهم لا تملك مثل هذا التدخل ، حيث ان الاتفاقية اعطت اشخاص القانون الخاص المستثمرين الاجانب الشخصية الدولية وهو امر مستحدث في مجال القانون الدولي.
ولكون مركز (ICSID ) يعد في الوقت الحالي واحداً من اهم المؤسسات الدولية في مجال التحكيم فقد انظمت اليه العديد من الدول، والعراق من الدول التي انظمت مؤخراً الى اتفاقية المركز وصادق عليها بالقانون رقم 64 لسنة 2012 .
ويعتبر التحكيم بموجب اتفاقية انشاء المركز اكثر الخدمات استخداماً من بين الخدمات التي يقدمها المركز . ولا يمكن اللجوء الى التحكيم بموجب اتفاقية المركز اذا لم يوافق الطرفان كتابياً على ذلك ، حيث رسمت المادة (25/1) من اتفاقية واشنطن حدود اختصاص المركز الذي أنشأته بتسوية المنازعات التي تثور بين الدول ورعايا الدول الاخرى فنصت على انه يمتد الاختصاص القانوني للمركز الى اية خلافات قانونية تنشأ مباشرة عن استثمار بين دولة متعاقدة او اي اقليم فرعي او اي وكالة تابعة للعضو المتعاقد عينته الدولة المتعاقدة الى المركز وبين شخص تابع لدولة متعاقدة اخرى وبشرط ان يوافق طرفا النزاع كتابة على تقديمها للمركز. وهذه السمة الاختيارية انما تتجسد اما في صورة شرط تحكيم يرد ضمن بنود عقد الاستثمار او في صورة مشارطة تحكيم تتخذ شكل اتفاق مكتوب مستقل عن العقد الاصلي يتفق بمقتضاه الاطراف على احالة النزاع الى التحكيم وفق قواعد المركز . وعلى هذا النحو فإنه لايكفي للدولة الطرف في العقد ان تكون عضواً في الاتفاقية وان يكون المستثمر من رعايا دولة اخرى عضو في الاتفاقية حتى يكون لهيئة التحكيم المشكلة وفقاً لقواعد المركز الاختصاص الكامل بنظر النزاع ، بل يجب ان تكون هناك موافقة كتابية اضافية من كل من الدولة المتعاقدة والمستثمر الاجنبي ، حيث يعد توافر هذين الشرطين ضرورياً لمنح الاختصاص لهيئة التحكيم المشكلة طبقاً لقواعد الاختصاص ، ومتى ابدى طرفي النزاع موافقتهم على اختصاص المركز فإنه يترتب على هذه الموافقة عدم جواز الرجوع عن الموافقة او سحبها بالارادة المنفردة لأي من اطراف النزاع بإعتبارها احدى المبادئ الاساسية في الاتفاقية كما انه لايمكن للدولة ان تتهرب من التزاماتها عن طريق تعديل الاتفاقية او الانسحاب منها .
والجدير بالذكر انه خلال العقدين الاولين من حياة المركز كان تحكيم المركز ملتزماً بهذا الاساس لعقد الاختصاص لهيئات تحكيم المركز اي انه كان يتطلب وجود شرط او مشارطة تحكيم بالمفهوم التقليدي المتعارف عليه .
الا انه لوحظ في السنوات الاخيرة اتجاه هيئات تحكيم المركز الى التوسع في تفسير السمة الاختيارية التي نصت عليها المادة (25/1) من الاتفاقية ، حيث اكتفت هذه الهيئات لتقرير اختصاصها في نظر القضايا بوجود نص يشير الى تحكيم المركز اما في تشريع وطني للاستثمار في الدولة المضيفة او في اتفاقية للاستثمار سواء ثنائية ام متعددة الاطراف ، وذلك اذا ما لجأ المستثمر الاجنبي الى طلب التحكيم امام المركز ، حيث لايحتاج المدعي ( المستثمر ) الى وجود اتفاق تحكيم او حتى علاقة تعاقدية مع المدعى عليه (الدولة ) وحيث يكون المدعى عليه (الدولة ) قد التزم بالتحكيم دون ان يكون قادراً على بدء التحكيم او حتى تقديم دعوى متقابلة .
وبالتالي تحول التحكيم من طريق اتفاقي الى طريق اجباري ، حيث تجد الدولة او احد الاشخاص العامة لها نفسها مجبرة على المثول امام المركز للدفاع عن موقفها رغم عدم وجود اتفاق خاص بينها وبين الطرف الاجنبي يقرر خضوع المنازعات الناشئة عن عقدهما للتحكيم ، وان مثل هذا الاتجاه الذي اتبعته هيئات تحكيم المركز انما يبدو متناقضاً مع اتفاقية انشاء المركز التي تشترط لإختصاص هيئات تحكيم المركز موافقة الدول المصدقة على الاتفاقية على الخضوع للتحكيم عند وقوع المنازعات وفقاً لقواعد المركز ، وكذلك موافقة اخرى كتابية من الاطراف المتنازعة لإحالة منازعاتهم الى التحكيم امام المركز المذكور ، وكذلك ما استقر عليه الفكر القانوني من ان اقامة اجراءات التحكيم تعتمد على وجود اتفاق سابق بين الاطراف ، كما ان هذا المفهوم قد انتقد على اساس تناقضه مع القاعدة القانونية بأن الاتفاقيات الدولية لاتمنح حقوقاً مباشرة الى الاشخاص ، بل فقط الى الحكومات في مواجهة بعضها البعض ، كما يبدو ان حكم التحكيم الصادر من المركز كأنه إحالة الى قواعد أصلية امرة .
إن تقرير إختصاص مركز ( ICSID ) استناداً الى تشريعات الاستثمار ، وكذلك الاتفاقيات يمكن أن يؤثر على موقف الدول من هذه الاتفاقية وإعادة التفكير في اللجوء الى هذا المركز ، وبالتالي اللجوء الى مؤسسات تحكيمية اخرى وهو ماثبت واقعياً ، وذلك بهدف الافلات من قواعد الاختصاص التي تقرها المادة (25) .