مقالة للدكتور:
أ.م. د. شاكر عبد الكريم فاضل / قسم العلوم السياسية
نشرت في مجلة أصداء قانونية وسياسية العدد (4) لسنة 2016
والتي تصدر عن كلية القانون والعلوم السياسية – جامعة ديالى
ان الوصول الى مجتمع المواطنة يعد غاية كل نظام ديمقراطي ذلك ان المواطنة هي محور الممارسة الديمقراطية فهي الهدف وهي الوسيلة، وبلا مواطنة تضحى الديمقراطية شكلا بلا محتوى، وبناءا ًعلى ذلك يحظى الموضوع اهتماما من هذا الجانب.
إذا كانت الوطنية هي عاطفة وشعور بالانتماء الى وطن والتفاني من اجله، أي انها ترتقي لتكون قيمة روحية، فالمواطنة هي كذلك عاطفة وشعور تجاه الوطن غير انها مفهوم قابل لان يتحول الى مجموعة من الإجراءات والممارسات التي من خلالها نستطيع القول بان تصرفا ما يعد دليلا على مواطنة مواطن ما.
ومثلما ان لكل نظام سياسي ثقافة تسنده فان للنظم الساعية للديمقراطية ثقافة المواطنة، لها قيم وتقاليد ومعايير سلوكية متعددة يكن اجمالها على النحو الاتي:
- احترام الاخر فلا يعود هنالك انا مطلقة تحتكر الحقيقة والكمال لنفسها وتنكرها عند غيرها ان احترام الاخر يعني الإقرار بوجود راي اخر مما يتيح المجال لحرية الراي وللتعددية الفكرية والسياسية.
- قيمة التسامح بقدر ما تبدو قيمة التسامح معنوية واخلاقية فإنها بالضرورة تعني القبول بالأخر مهما كان مختلفا عنا أي انها استعداد نفسي للقبول بالأخر فكريا وسياسيا.
- التداول السلمي للسلطة وصناديق الاقتراع ميدان حسم الصراع السياسي وليس الاحتكام الى السلاح، ان اعتماد مبدأ التداول السلمي للسلطة يعزز المواطنة لان ذلك يخلق شعورا حقيقيا لدى المواطنين بان السلطة ليست حكرا لفرد او قلة وانما هي تعبير عن إرادة الشعب وممثلة عنه، وبالنتيجة فان فكرة السيادة الشعبية تبقى مصانة في ظل هذا المبدأ، وهذا يضفي انطباعا بان المواطن له نصيب في السلطة مما يعزز من مفهوم المواطنة.
- حماية حقوق الأقليات واحترام التعددية الاجتماعية وان لا يلحق أي ضرر بالمصالح الحيوية للأقليات وتوفير الضمانات القانونية والحقيقية لذلك.
- حرية الصحافة والاعلام فالتعبير الحر عن الراي أحد أبرز اركان الديمقراطية ومن شانه تعزيز مفهوم المواطنة، ونشر مفاهيم حقوق الانسان وحرياته الأساسية.
- لمؤسساته التنشئية الاجتماعية والسياسية دورا هاما في بناء المواطنة كالأسرة والمدرسة والجامعة والاعلام وقنواته ووسائله المتعددة كما ان ممارسة الانتخابات وما يرافقها من عمليات الدعاية والسجال أثر في خلق ثقافة المساهمة ولعل النتيجة الرئيسية التي قد تتمخض عن ما سبق ذكره من تصورات من شانها ان تنتج لذلك المجتمع هوية وطنية وهي ليست عرقية ولاطائفية او مذهبية ولا عشائرية انما هي هوية المواطنة كعامل مشترك ورابط يوحد أبناء المجتمع.
ان المواطن يأخذ جذره من الوطن فالوطن في أوسع معانيه يمنح المنتمي اليه الإقامة والحماية والتعليم والاستشفاء والحرية وحق استعمال الفكر واللسان والذكريات والعواطف … والمواطنة تصبح إنسانية لأنها تعني أيضا التعلق بشخص اخر يشاركك الوطن ويقتسم معك مضامين الوطن والمواطن. وان العلاقة الوثيقة بين المواطن والوطنية تعني ان يكون المواطن مع وطنه في محنته كما كان الوطن مع المواطن في رخائه .