اضرار ابراج اتصال الهاتف المحمول وسبل معالجتها في ظل أحكام القانون المدني العراقي
لكاتبه: المدرس المساعد محمود عادل محمود
لا ينكر أن ابراج اتصال الهاتف المحمول ربما قد تتسبب في حصول ضرر للأشخاص الساكنين بالقرب منها؛ نظراً للإشعاعات الصادرة منها، اذ أنه من الثابت علمياً أن اي زيادة في الاشعاعات الصادرة من هذه الابراج يمكن أن تحدث امراض صحية تصيب الاشخاص الساكنين في دائرة بثها المباشر.
وبسبب ذلك، فقد عمد المشرع العراقي إلى اصدار عدة قوانين تعمل على وضع محددات لهذا البث الصادر من ابراج اتصال الهاتف المحمول، كان اخراها القانون رقم (1) لسنة (2010) الخاص بالوقاية من الاشعة غير المؤينة الصادرة من منظومات الهاتف المحمول، بحيث يجب على الشركات المسؤولة عن ابراج الاتصال الالتزام بها، وذلك من اجل الحفاظ على سلامة المواطنين.
وعلى ذلك، فأنه لا مشكلة فيما إذا تمسكت شركات الاتصال في هذه المحددات، طالما أن البث الصادر من الاجهزة المركبة على ابراجها لا يسبب الضرر للأشخاص الساكنين بالقرب منها؛ اما إذا لم تلتزم فهنا تثار المشكلة، وبذلك فأن السؤال الذي يطرح على بساط البحث في هذا المجال هو: مالحكم، لو لم تتمسك اي من شركات الاتصال المشغلة لمنظومة بث الهاتف النقال بهذه المحددات؟ وكيف يمكن معالجة هذه الأمر في ظل احكام القانون المدني العراقي.
يمكن للباحث في هذا الصدد، أن يلتجأ إلى المادة (231) من القانون المدني، والتي تنص على أنه: "كل من كان تحت تصرفه الآلات ميكانيكية أو اشياء أخرى تتطلب عناية خاصة للوقاية من ضررها، يكون مسؤولاً عما تحدثه من ضرر".
حيث أنه من خلال دراسة وتحليل المادة المتقدمة، يفهم أن المشرع العراقي قد جعل كل من تحت تصرفه الآلات ميكانيكية أو اشياء تتطلب عناية خاصة من ضررها وسببت ضرراً للغير، مسؤولاً بقوة القانون عما يصيبه من اضرار.
وبذلك فأنه، وطبقاً للتحليل المتقدم، يشترط لتطبيق المسؤولية عن الاشياء الميكانيكية أو التي تتطلب عناية خاصة، أن تكون الآلة أو الشيء تحت تصرف الشخص المسؤول، وأن يقع الضرر بفعل التدخل المباشر لهذه الآلة أو الشيء.
وإذا أردنا تطبيق ما تقدم، على الاشعاعات الصادرة من ابراج الهاتف المحمول، نرى أن هذه الابراج تعتبر من قبيل الاشياء التي تتطلب عناية خاصة للوقاية من ضررها، وبالتالي يخضع التعويض عن الضرر الصادر عنها إلى حكم المادة (231) سالفة الذكر.
وترتيباً على ذلك، إذا أردنا تطبيق شروط تحقق المسؤولية عن الاشياء الميكانيكية أو التي تتطلب عناية خاصة، نرى أنه بالنسبة للشرط الأول الذي يقضي بضرورة كون الشيء تحت تصرف الشخص المسؤول، متحقق؛ ذلك أن برج الاتصال يقع تحت سيطرة الشركة المالكة لبرج الاتصال الصادر عنه الضرر، باعتبارها صاحبة السلطة الفعلية عليه من خلال تشغيله بواسطة ممثليها من الاشخاص الطبيعيين.
أما بالنسبة للشرط الثاني، نرى ايضاً تحققه في مجال المسؤولية عن الاضرار الصادرة من ابراج اتصال الهاتف المحمول؛ حيث أنه وان كان الشرط يقضي لانعقاد هذه المسؤولية ضرورة تدخل الشيء بصورة مباشرة في احداث الضرر، الا أن هذا الأمر لا يعني ضرورة توافر التماس المادي بين فعل الشيء والضرر الحاصل للمتضرر، فالمسؤولية في هذا المجال تنعقد، حتى لو لم يكن هناك تماس مادي بين المتضرر والشيء.
وتطبيقاً لذلك، قررت محكمة التمييز الاتحادية في حكمها ذي العدد (1799) الصادر في (18/ 10/ 2013) بنقض الحكم الصادر عن محكمة الاستئناف القاضي برد دعوى المدعين (خ.ح.ش.ع)، عندما طالبوا بإزالة برج الاتصال اللاسلكي العائد لشركة (…..)، وقررت بأن الحكم الصادر من هذه المحكمة (محكمة الاستئناف) غير صحيح، ومخالف للقانون؛ نظراً لأن برج الاتصال قد نصب خلافاً لقانون البيئة الخاص بأبراج الهواتف النقالة، وكان الاولى بالمحكمة الاستعانة بخبراء الاشعاعات الكهرومغناطيسية وطبيب مختص بالأورام السرطانية، لبيان الرأي عما اذا كان اشعاع البرج المذكور يسبب الضرر من عدمه، ومن ثم قضت هذه المحكمة بضرورة سير الدعوى على وفق ما يرتأى لها من احكام المادة (231) من القانون المدني العراقي.
وهو ما يعني أن محكمة التمييز العراقية قد اشارت إلى أن المادة (231) من القانون المدني العراقي هي المختصة في معالجة الضرر الناشئ عن الاشعاعات الصادرة من ابراج اتصال الهاتف النقال.