مقال بعنوان (السلامة القانونية )
الكاتب: المدرس المساعد شهلاء سليمان محمد- كلية القانون والعلوم السياسية- جامعة ديالى
تنتهي القواعد القانونية في الوقت الحاضر وتنتفي الغاية منها بالسرعة نفسها التي تتغير فيها الظروف في المجتمع المعاصر، ولاسيما مع اتساع تأثير التقدم التكنلوجي على التعاملات بين الافراد وعلاقاتهم مع السلطات العامة، فمعظم القواعد القانونية تتبدل كل سنة او تُعدل لتواكب التطور المعاصر وما هذا الا دليل على عدم استقرار القانون وفقدان الشعور بالأمان، بينما القاعدة القانونية تأتي أساساً لتحقق النظام وتحول المجتمع من الفوضى الى الاستقرار وتلبي الحاجات العامة للجمهور، وتحكم المتغيرات والتطورات الهائلة في جوانب الحياة كافة و تتكيّف معها.
وتنصرف فكرة استقرار القانون الى ضرورة ان يستوعب القانون الاوضاع والظروف المتغيرة والسريعة الزوال ولكنه بالوقت نفسه ينبغي ان يُقلل من حالة الارباك وان يتضمن عنصر الوضوح والقابلية للتوقع فيه بحيث يعرف الافراد مسبقاً كيف ينظمون علاقاتهم وتعاملاتهم مع الغير بشكلٍ مقبولٍ من الناحية القانونية، وان يتمكنوا من معرفة مالهم وما عليهم اي ما يسمح به القانون من تصرفات وما يمنع منها، وبعكسهِ سيكون مصدراً لعدم الثقة وانعدام الاحساس بالأمن القانوني ولهذا السبب اكدت المحكمة الاوروبية لحقوق الانسان على ضرورة ان يتوافر في القانون امكانية الولوج فيه بأن يكون واضحاً و توقعياً وجعلت ذلك من القواعد الآمرة، فكل شخص له الحق في استقرار القاعدة القانونية وان يكون بمأن من التعديلات والعناصر المفاجئة فيها، كما عبّر مجلس الدولة الفرنسي عند مبدأ السلامة القانونية في واحد من اشهر احكامه في قضية شركة (KPMG) في 24 آذار 2006م بقوله (يقتضي ان يكون المواطنون ودون عناءَ كبيراَ في مستوى تحديد ما هو مباح وما هو ممنوع من طرف القانون المطبق وللوصول الى هذه النتيجة يتعين ان تكون القواعد المقررة واضحة ومفهومة وألا تخضع في الزمان الى تغييرات متكررة او غير متوقعة)).
ويعد مبدأ السلامة القانونية او الامن القانوني من مقومات دولة القانون على اعتبار ان الامن قيمة يخدمها القانون ويسعى الى تحقيقها ومن ثم لا يجوز ان يكون هو نفسه مصدر الخطر، ولهذا عدم احترام هذا المبدأ هو مساس بدولة القانون، كما انه شرط اساسي لضمان ممارسة الافراد حقوقهم، و تحقيقه اصبح مطلباً على الصعيد الدولي ولاسيما في نطاق العلاقات الاقتصادية لكونه واحد مقومات جذب ونجاح الاستثمارات الاجنبية .
لم يكن مبدأ السلامة القانونية من الموضوعات الجوهرية وان كان الفقه قد نبه على اهميته سابقاً، ولكنه في الوقت المعاصر اضحى مدار نقاش وبحث مستمران بسبب تنامي الشعور بفوضى القواعد القانونية وكثرتها وتعقيدها وصعوبة فهمها ورجعية بعضها ومن ثم عدم الاحساس بسلامة القانون واستقرار المراكز القانونية وعدم قدرة الاشخاص على تخمين موقف القانون الذي يتعاملون ضمن اطاره ويتعاقدون من خلال قواعده وينظمون التزاماتهم تجاه السلطة العامة تبعاً لمقتضياته، وهذا كله زعزع الثقة بالدولة وقوانينها.
ولأجل ذلك يعد هذا المبدأ من المبادئ الدستورية في بعض الدول نحو المانيا واسبانيا ليكون ملزماً للمشرع والقاضي ويتمتع بسمو القاعدة الدستورية، في حين لم تنص عليه معظم النظم القانونية الاخرى صراحةً في دساتيرها ولكنه يستمد قوته فيها من فكرة دولة القانون ومن ثم يعد مقرراً بالدستور الذي يقوم على ضرورة تو فير الامن وضرورة احترام موثوقية وامان العلاقات ضمن اطار هذه الدولة. ولكن بغية ضمان الاحترام لهذا المبدأ والزام السلطات العامة بمراعاته لابد من النص عليه كواحد من المبادئ الدستورية .
كما ان القانون والقضاء يعبران عنه من خلال التأكيد على عناصره ومكوناته او من خلال مجموعة من المبادئ التي تعبر عنه دون ذكرهِ صراحة ًنحو اشتراط الكتابة في الاجراءات القضائية والادارية، وتقرير قاعدة عدم جواز الاعتذار بالجهل بالقانون، ومبدأ حجية الشيء المقضي فيه، وعدم رجعية القوانين والقرارات الادارية لاسيما في المسائل المالية، والدقة في الصياغة القانونية واعتماد السلامة القانونية كغاية عند سن القاعدة القانونية، واحترام مدد الطعن والتقادم، واحترام الحقوق المكتسبة.
يمثل مبدأ السلامة القانونية فعلا جودة النظام القانوني إذ يضمن فهماً وثقةً بالقانون في زمان معين والذي سيكون حتماً هو قانون المستقبل. وهو كما عبّر عنه الفقيه "جان بولوي " بقوله (( القانون الذي لا يُؤمن سلامة العلاقات التي ينظمها يكف عن كونه قانوناً)).