مقالة بعنوان (سـوسيولوجيا السـياسة (علم اجتماع السـياسة))
لكاتبه: الاستاذ المساعد الدكتور طلال حامد خليل
يشكل على طلبتنا الاعزاء اهمية دراسة علم الاجتماع من نافذته السياسية او كما يعرف بعلم اجتماع السياسة ، كما يشكل عليهم المفهوم ، اذ ان ذلك ناتج – بطبيعة الحال – من الفرق في المفهوم بين اللغتين العربية والانكليزية ،، ذلك بأن اللغات بوجه عام والعربية بوجه خاص تعاني نوعاً من الضعف في الدلالة ، خاصة تلك المنقولة إلينا عبر الترجمة ، فالمجامع العلمية للغة العربية ، تتعدد في رؤيتها للمصطلحات المترجمة ودلالاتها ، وهي تفتقد إلى الإجماع فيما بينها نتيجة طبيعية للاختلافات الموجودة في البنى المجتمعية العربية ، فضلاً عن اختلاف الأنظمة السياسية العربية ، وهو ما يشكل عبئاً مضافاً على الدارسين ، ابتداء يمكن القول بان سوسيولوجيا السياسة يقصد به العلم الذي يدرس الوظائف السـياسـية الأسـاسـية ، كما هي في طبيعة وجودها ، وفي تعبير آخر ، هو العلم الذي يدرس الأحداث السـياسـية وتاريخ الوقائع المتفاعلة ، ثم دراسـة المؤسـسات حقوقياً ، أخيراً تأتي السوسيولوجيا السـياسـية لكي تثير الانتباه ، في الغالب ، إلى الوظائف الدائمة ، وإلى البنيات ، وإلى التسـلسـلات الطبقية التي تتضمنها المؤسـسة السـياسـية.
إن سوسيولوجيا السياسة تؤلف فرعاً منفصلاً من السوسيولوجيا العامة ، وهي تحلل المؤسسات، كما تحلل كل الأحداث السياسية الأخرى ذات الصلة بالأحداث الاجتماعية الأخرى ، كالقيادات السياسية في الدولة ، فهي تدرسها من حيث وجودها ، كما تدرس مضموناتها النوعية ، والنخب الحاكمة وغير الحاكمة Ruling and Non-Ruling Elites في المجتمع من حيث مصادر تكوينها والطابع المميز لها، و… ما إلى ذلك من الموضوعات التي تهدف إلى المطالبة بالمحافظة على المجتمعات الإنسانية والعمل على تنميتها ورقيها.
لقد أصبح من البديهيات المألوفة الآن أنه ما من نسق أو نظام سياسي يعمل في فراغ ، وأن الدراسات السوسيولوجية هي وحدها القادرة على فهم الإطار الذي توجد فيه النظم السياسية وكيفية أدائها لوظائفها.
اذ ظهر علم الاجتماع السياسي إلى الوجود في المرحلة التاريخية التي أصبح من الممكن التمييز بين ما هو اجتماعي Social وسياسي Political في المجتمع ، كما يمكن اعتبار عام (1840) تاريخاً محدداً لظهور هذا العلم خصوصاً بعد قيام ماركس K. Marx بانتقاد فلسفة هيجل Hegal ، ومع عودة مصطلح المجتمع المدني Civil Society للظهور. هذا المفهوم الذي كان ثمرة تفكير وتأمل لعهود طويلة من الزمن ،ويذهب موريس دوفرجيه الى ابعد من ذلم بارجاعه الى كتابات ارسطو الذي كانت السياسة بالنسبة له تعني دراسة حكومة المدينة ، وسـاعدت كتابات هوبز. Hobbes وجون لوك John Locke وأخيراً هيجل في توضيحه وإضافة أبعاد جديدة له .
يمكن القول بان علم اجتماع السياسة لا ينفصل عن تعريف علم الاجتماع العام لان السياسة لا تشكل نطاقا منفصلا في المجتمع ، اذ ان البعض يصفه بعلم الدولة ، واخرون يرون فيه علما للسلطة والاخير هو الاكثر انتشارا في الغرب .
إن القول بان علم الاجتماع السياسي هو علم السلطة لا يكفي بحد ذاته. بل يجب تحديد مفهوم (السلطة) هذا كونه مفهوماً واسـعاً ومبهماً جداً. ذلك أن التمييز بين الحاكمين والمحكومين الذي قال به المفكر الفرنسي ليون دوجي L. Duguit ليس واضحاً بالشكل الذي يبدو للوهلة الأولى. ففي المجتمعات الصغيرة جداً فقط يمكن للمواطن الموجود في أسفل السـلم أن يكون محكوماً دون أن يكون حاكماً ، أما في كل المجتمعات الأخرى فإن المواطنين يكونون حاكمين ومحكومين في نفس الوقت. فهل يجوز لهذا مواصلة الحديث عن (السلطة) في كل مرة تقوم فيها علاقة إنسـانية غير متسـاوية ويتمكن فرد ما من إجبار فرد آخر على الخضوع له ؟
إذا كانت كل علاقة إنسـانية ذات طابع سـلطوي تدخل ضمن اختصاص علم الاجتماع السياسي، فإن هذا العالم سيكتسح كل ميادين علم الاجتماع. لهذا ينبغي البحث عن تعريف أكثر دقة وأكثر حصراً للسلطة بحيث يسمح بتمييز السلطة بالمعنى الحقيقي للكلمة (أو السلطة السياسية) عن باقي أشكال السلطة .ويعنى هذا العلم بدراسـة السـياسـة على أربعة مسـتويات هي:
- الصراعات السـياسـية ونزاعـات الحكومات التي تندرج تحت باب علم اجتماع العلاقات الدولية.
- طبيعة ودور الحكومة ضمن المجتمع.
- طبيعة وتنظيم الحركات السـياسـية والأحزاب.
- مسـاهمات الأفراد في السـياسـة كما يظهر ذلك على السلوك الانتخابي .
ينبغي الانتباه هنا بان الاقرار بعلم اجتماع السياسة او سوسيولوجيا السياسة وارتباطه بالسلطة وترجيحه على سواها نابع من حقيقة اجتماعية يعنى بها الدارسون في هذا الاختصاص مفادها ان دراسة السلطة لا تتحدد بسلطة الدولة ، وانما دراستها – السلطة – حتى في المجتمعات او المتحدات التي لا يرقى لمستوى الدولة ، وهو ما اعطى الامكانية للتفحص العلمي وشموليته المعرفية .