(حق الاعتراض على القرارات المرورية للغرامات والمخالفات بين الماضي والحاضر)
م. حيدر نجيب احمد فائق
يعتبر موضوع الاعتراض والاعتراف بهذا الحق في التشريعات القانونية العراقية من المواضيع التي تهم أفراد المجتمع العراقي وهو أطار يمثل في حقيقة مضمونه مجموعة من الضمانات القانونية لكل من أطراف العلاقة القانونية محل الاعتراض فضلا عن تحقيق المصالح المشتركة عند المباشرة بإجراءات الاعتراض الشكلية والموضوعية وأهداف اجتماعية وقانونية وكل ما يتعلق بالتطبيق الصحيح لمبدأ المشروعية القانونية في تصرفات الإدارة العامة وموظفيها، وهو موضوع يثير برأينا بعض الجدل والنقاش الذي ينبع أحيانا من القصور والغموض في أحكام التشريعات القانونية ذات العلاقة والتي تتضمن الية الاعتراض على القرارات الإدارية وبشكل خاص في اطار تصرفات وقرارات رجل الإدارة المرورية في ظل القوانين النافذة وحتى الملغية منها، فلا نعتقد بوجود تشريع قانوني متكامل لفظيا أو حرفيا وفي الصياغة القانونية ليشمل جميع متطلبات الحكم أو حل النزاعات القائمة أحيانا بسبب التطورات والمتغيرات القائمة في المجتمع العراقي وتنوع أو اختلاف الأوضاع التي تستوجب تطبيق النص القانوني، وخير دليل على ذلك هو التفسيرات والاجتهادات القضائية وما يقرره أو يتفق عليه الفقه القانوني والباحثين وأصحاب الاختصاص في هذا الجانب من توضيح لإرادة المشرع أو استكمال النص التشريعي بالتعليق والتفسير وغيرها، ولعل من اهم الجوانب التي تتطلب المناقشة والتوضيح هي الأحكام القانونية الواردة في التنظيم القانوني للاعتراض على القرارات للغرامات والمخالفات المرورية وما يتضمنه التشريع القانوني من بعض مواطن القصور والسلبيات من دون انتقاص أو انتقاد لدور المشرع العراقي البارز في هذا الجانب والتي هي برأينا المتواضع تستوجب المعالجة في الصياغات القانونية لاستكمال التنظيم القانوني وفقا للمبادئ العامة التي يستند اليها النظام القانوني في العراق وفي غيره من الدول، ونحن بدورنا من المؤيدين لفرض المخالفات والغرامات المرورية التي تتضمن في ثناياها وآثارها المحافظة على سلامة سائقي المركبات أولا والمارة والآخرين ثانيا في ذات الوقت، ناهيك عن الآثار الإيجابية لها في جوانب كثيرة لا مجال للتوسع في تفاصيلها في مساحة هذا المقال الذي سيركز على تنظيم الية الاعتراض على الغرامات المرورية، مع عدم دعمنا لمبالغ الغرامات المحددة قانونا والتي بمنظورنا لا تنسجم مع الواقع للقدرة على الدفع نظرا للمبالغة في حجمها ومقدارها النقدي أو في حالة المضاعفة لمبلغ الغرامة لعدم الدفع بعد فرضها.
في العراق صدر مؤخرا القانون المروري الجديد رقم 8 لسنة 2019 ونشر في الوقائع العراقية ذي العدد 4550 في 5-8-2019، مع الإشارة من جانبنا لوجود أخطاء قد تنعكس سلبا على نتاج كتابات بعض الباحثين والناشرين وخصوصا في سنة النشر وحتى رقم القانون المعني أحيانا، علما ان القانون الجديد سيكون له تطبيق فعلي على ارض الواقع في شهر تشرين الأول تحديدا لسنة 2019 وفقا لصراحة نص المادة (50) من نفس القانون، وكان القانون قد تضمن نصا صريحا في المادة (49) منه يقضي بإلغاء تطبيق امر سلطة الائتلاف المنحلة ذي الرقم 86 لسنة 2004 (قانون المرور السابق) مع بقاء الأنظمة والتعليمات الصادرة بموجبه لحين صدور ما يحل محلها أو يلغيها، وبذلك تبقى التعليمات قابلة للتطبيق حتى في ظل القانون الجديد طالما لم يتضمن ما يقتضي الغائها أو ما يحل محلها من باب أولى، كذلك لا مجال لتطبيق الأحكام القانونية لفرض المخالفات والغرامات أو الاعتراض عليها في ظل القانون القديم بعد نفاذ القانون الجديد، وقد نظم القانون المروري الحالي الية خاصة للاعتراض على القرارات المرورية القاضية بفرض الغرامات والمخالفات على المشمولين بأحكام القانون أو ما يصطلح عليهم بالمخالفين إضافة إلى نصوص قانونية أخرى تعتبر بنظرنا تكرارا لما سبق في القانون الملغي مع وجود التطور الملحوظ في الأحكام القانونية الجديدة الحالية وبمختلف الجوانب التي تمثل الشمولية والدقة في تنظيم المعاملات المرورية والعلاقة القانونية بين الجهة الإدارية والأشخاص من ذوي العلاقة، وخصوصا التعاريف العامة والمفاهيم القانونية والمخالفات المرورية وأنواعها ومقدار الغرامات والعقوبات المرورية وتشكيل المحاكم المختصة ولجان الاعتراض والتحويل او التسجيل ومنح الإجازات والتجديد والسنويات وأحكام عامة وغيرها.
بداية تجب الإشارة إلى انه بالرغم من أهمية حق الاعتراض على قرارات المخالفات والغرامات المرورية وآثاره الإيجابية لمصلحة الجهة الإدارية في جوانب كثيرة وما يحقق مصالح الأفراد إعمالا بتحقيق مبدأ العدالة القانونية والاجتماعية وتطبيق مبدأ المشروعية، إلا أن القانون المروري الجديد وبنفس الاتجاه التشريعي للقانون المروري الملغي لم يتضمن الإشارة ولو بشيء من الاختصار أو حتى التفصيل والتوضيح وبنص صريح لمعنى أو مفهوم حق الاعتراض ضمن المواد والفقرات القانونية الخاصة بتوضيح وتفسير المصطلحات المتعلقة بتطبيق أحكام هذا القانون، ولم يوضح المشرع العراقي أيضا في كلا القانونين نطاق القرارات الإدارية المشمولة بالاعتراض بنصوص قانونية صريحة عدا حالات الاعتراض على الحكم بالمخالفات والغرامات المرورية، وبذلك نعتقد بان التصرفات والقرارات الصادرة عن جهة الإدارة المرورية ومسؤوليها خاضعة للاعتراض بمقتضى التشريعات العراقية الإدارية الأخرى وحسب الاختصاص وآلية الاعتراض، بما في ذلك اتباع الية الاعتراض وإقامة الدعوى أمام محكمة القضاء الإداري عند وجود نزاع بين الأفراد والجهات الإدارية حول القرارات الإدارية الاعتيادية في غير حالات فرض الغرامات والمخالفات والتي ستخرج قطعا من اختصاص المحاكم الإدارية العراقية لان القانون المروري الجديد قد رسم الية خاصة وطريق للطعن بأحكامها وبنصوص صريحة، وهذا ما يؤكده قانون مجلس الدولة العراقي (مجلس شورى الدولة سابقا) في مجال تحديد اختصاصات محكمة القضاء الإداري والمنع من نظر الدعوى.وينظم القانون المروري الجديد رقم 8 لسنة 2019 عملية الاعتراض على القرارات والأحكام القاضية بفرض المخالفات والغرامات من حيث تشكيل لجنة الاعتراض والعضوية فيها ومدة الاعتراض أو الفترة الزمنية التي يتحدد في نطاقها استعمال هذا الحق المعترف به قانونا بصراحة نص المادة (30) منه، والتي تتضمن فقرات قانونية تتوزع ابتداء بتشكيل لجنة اعتراض في مديرية المرور المختصة، ويفهم من ذلك مراعاة المشرع العراقي للظروف المكانية والزمانية للمعترضين من خلال الابتعاد عن مركزية الاعتراض بتقديمه إلى لجان اعتراض مختصة في كل مديرية مرور حسب الاختصاص المكاني لإصدار حكم الغرامة المعترض عليه، وحسنا فعل المشرع في هذا الجانب لتجنب تراكم الاعتراضات والسرعة في حل النزاع الإداري القائم، كما وحدد المشرع العضوية العاملة في تشكيل اللجنة المختصة بنظر الاعتراضات على القرار إداريا بثلاثة أعضاء وهم كل من (مدير وحدة الشؤون القانونية في المديرية المختصة (رئيسا) وعضوية اثنين يتمثلون بضابط من أمن الأفراد وآخر من شعبة التدقيق)، وهذه العضوية تختلف قطعا عن التشكيل القائم مسبقا في ظل القانون الملغي في اطار نص المادة (20) منه، وهي لجان اعتراضات إدارية لا تمثل هيئات قضائية أو شبه قضائية لخلوها من عضوية القضاة أو القضاة مع الموظفين.وللأفراد في ظل أحكام القانون المروري الجديد حق الاعتراض الإداري اختياريا غير القضائي تحديدا خلال مدة لا تتجاوز (15) يوم من تاريخ قرار الحكم بالمخالفة، وهنا نلاحظ من باب المقارنة، تمديد مدة الاعتراض بالزيادة ليوم واحد فقط عن مدة الاعتراض في ظل أحكام القانون المروري الملغي (أسبوعين فقط)، إلا أن كلا القانونين جاء خاليا من تحديد المدة القانونية التي تنظر خلالها اللجنة المختصة بطلبات الاعتراض المقدمة أمامها، وكان الأجدر بالمشرع العراقي برأينا وليس فرضا على غيرنا أن يراعي تحديد هذه المدة لنظر الاعتراضات لتحقيق بعض الآثار الإيجابية في تجنب حالات تحقق القرارات السلبية بالامتناع عن اتخاذ القرار المناسب الذي كان من الواجب اتخاذه وعدم ممارسة مهام الوظيفة المحدد قانونا وللابتعاد عن البطء والإرباك في حل النزاعات الإدارية، وفي اطار تقديم طلب الاعتراض فإن القانون المروري الجديد جاء خاليا من اشتراط دفع الرسوم لقبول نظر طلبات الاعتراض خلال المدة المحددة سابقا وعلى عكس القانون السابق الملغي الذي كان يشترط دفع الرسم كشرط للاعتراض، وفي ذلك اتجاها محمودا للمشرع العراقي في القانون الجديد بمراعاته للظروف الاجتماعية والمقدرة المادية للمعترضين، مع ملاحظة أن القانون الحالي وحتى الملغي أيضا جاء قاصرا في توضيح الية وإجراءات نظر الاعتراض من الجهة المختصة وما يتعلق بمحتوى طلب الاعتراض والشكليات العامة الخاصة به بعيدا عن التحديد اللفظي والحرفي للمتطلبات الواجب ذكرها في محتوى الاعتراض، أيضا جاء القانون خاليا من الإشارة لموضوع الإثبات والأدلة القانونية في اطار عملية الاعتراض على الغرامة والمخالفة بحد ذاتها من جانب الأفراد أو الجهة الإدارية وكما هو عليه الوضع في القانون الملغي، وهذا ما يتطلب براينا إجراء صياغة قانونية جديدة متكاملة للجوانب السابقة بالتعديل لحماية الحقوق والمصالح المادية والقانونية لضمان الدقة والوضوح والشفافية في نظر الاعتراض والحكم فيه وصولا لكشف الحقائق تحقيقا للعدالة والمشروعية في تصرفات الجهات الإدارية وإثبات التقصير بحق أطراف العلاقة القانونية المرورية.ويعطي قانون المرور الجديد صلاحيات اتخاذ القرارات بعد نظر الاعتراضات عن المخالفات المرورية بصياغات محدد تتماثل في أطارها العام مع ما هو متعارف ومعمول به في مجال نظر الاعتراض على القرارات الإدارية الاعتيادية، وتتلخص بالمصادقة على حكم المخالفة والغرامة أو التعديل أو الإلغاء، ولم يوضح القانون تفاصيل اكثر لمفهوم التعديل للقرار نظرا للتعارض الذي قد يحصل عند البحث بمفهوم المخالفة المرورية والغرامة النقدية فقط الخاصة بها بغض النظر عن المخالفات التي تتضمن عقوبات مقيدة للحرية، ثم أن القانون وبصراحة مضمون النص القانوني يشير إلى أن قرارات اللجنة المختصة بنظر الاعتراضات إداريا هي قرارات قطعية ونهائية لا يجوز الاعتراض عليها أمام جهات مختصة أخرى إدارية أو قضائية، ولا نعتقد بتحقيق العدالة والإنصاف والتطبيق الصحيح لمبدأ المشروعية في قطعية هذه القرارات وحظر الاعتراض عليها، فحالات التعسف باستعمال السلطة وعدم الاعتراف بخطأ رجل الإدارة مصدر القرار بفرض الغرامة المرورية عن المخالفة هي أمرا واردا وان كان نادرا بمنظورنا القانوني وان السلطة أو الجهة المختصة بنظر الاعتراضات ستكون هي القاضي أو الحكم والخصم في نفس الوقت لأنها تمثل نفس الجهة الإدارية مصدرة القرار، فنعتقد من الأفضل ضمان حق الأفراد بالاعتراض على قرارات اللجنة السابقة أمام جهات إدارية أخرى أعلى أو حتى قضائية مختصة، لاسيما أن القانون تضمن تشكيل محاكم تحقيق وجنح مختصة بقضايا المرور حصرا وفي جميع المحافظات العراقية بدلالة نص المادة (31) من نفس القانون، أو على الأقل بتقديم الاعتراض أمام المحاكم الإدارية العراقية (محكمة القضاء الإداري) باعتبار القرارات الصادرة من لجان الاعتراض هي قرارات إدارية فردية بشكل عام في أطارها ومفهومها ومحتواها وهي تصدر بالأساس من مسؤولي الجهات الإدارية وان طريق الطعن المرسوم قانونا كان إداريا فقط دون القضائي في ظل أحكام القانون المروري الجديد ولم يتضمن إقامة شكوى قضائية في جانب الغرامات المرورية اذا كانت المحاكم المرورية التحقيقية والجنح التي تتشكل في المحافظات هي مختصة في اطار عقوبات ومخالفات محددة، وفي ذلك نجد زيادة للضمانات القانونية لأفراد المجتمع ولا نرى ضررا متحققا من ذلك بتعديل النص القانوني المروري كرأي قانوني لا فرضا على إرادة المشرع أو على غيرنا من المختصين في هذا المجال….. انتهى بعون الله.