مفهوم السيادة بالقانون الدولي العام
مدرس. جبار محمد مهدي السعدي
يرى الفقيه الألماني جورج يلينك أن الدولة ذات السيادة لا يمكن أن تخضع لإرادة أعلى من إرادتها لأنها تفقد بذلك كيانها واعتبارها ، وتتكون الدولة باجتماع ثلاثة عناصر(شعب واقليم وحكومة)وأية جماعة لا يتوافر فيها حد أدنى من التنظيم السياسي لا ترقى الى مستوى الدولة لعجزها عن الوفاء فيما يقرره القانون الدولي العام من التزامات ، لكن اجتماع العناصر الثلاثة لا يكفي بحد ذاته لقيام الدولة اذ قد تتوافر هذه العناصر في التقسيمات الادارية او الفدرالية ومع ذلك لا يعترف لها بشخصية الدولة ، أذن لابد من أن يكون هناك معيار قانوني يميز الدولة عن غيرها من الوحدات السياسية والإدارية والإقليمية وعلى هذا الاساس ذهب الفقه التقليدي الى ان هذا المعيار هو السيادة.
وفكرة السيادة كانت تجسد سيادة الملوك المطلقة وادخل الفقيه الفرنسي جان بودان نظرية السيادة في الفقه القانوني ويعني بها(السلطة العليا والمطلقة للملك لا يقيدها إلا الله والقانون الطبيعي)وذهب الفقيه هوبز ابعد من ذلك عندما قال أن (صاحب السيادة لا يتقيد حتى بالدين)وظلت هذه الفكرة متسلطة حتى اوائل القرن العشرين حيث تطور مفهوم السيادة بعد أن كانت تعني الدولة مطلقة التصرف اصبحت في الوقت الحاضر مقيدة بقواعد القانون الدولي العام ، وتتمثل في مظهرين مظهر داخلي مبناه حرية الدولة بالتصرف في شؤونها الداخلية وفرض سلطانها على كل ما يوجد في اقليمها من اشخاص وأشياء ، ومظهر خارجي مبناه استقلال الدولة بإدارة علاقاتها الخارجية بدون ان تخضع لأية هيمنه ، وانتقدت نظرية السيادة التقليدية من جانب الفقه الحديث وابرز هذه الانتقادات أن الدولة ليست مطلقة التصرف لأنها ليست غاية وإنما وسيلة لتحقيق غاية وهي اسعاد رعاياها ، لذلك يجب ان تكون جميع تصرفاتها محكومة بهذا الغرض وتخضع للرقابة السياسية والادارية والقضائية والشعبية علاوة على رقابة القانون الدولي.
وقد ظهرت عدة نظريات لاستبدال نظرية السيادة كان ابرزها المعيار المستمد من نظرية الاستقلال التي اقترحها الاستاذ شارل روسو والتي تفيد بان الدولة تتمتع باختصاص مانع وجامع وحر في اقليمها ، وهذا يعني عدم جواز ان تمارس السلطة في اقليم دولة ما إلا دولة واحدة تحصر بذاتها جميع الاختصاصات وان نجاحها يتوقف على عدم وجود سلطة اخرى تنافسها ، وان تباشر اختصاصاتها بنفسها وبواسطة سلطاتها الوطنية بكل حرية دون ان تفرض عليها أي دولة او سلطة اوامر او توجيهات خاصة ، وأن تكون اختصاصاتها شاملة تسمح لها بالتدخل متى ارادت في سائر مظاهر الحياة البشرية لتنظيمها وإقرار ما تراه عدلاً وأمنا ، ولا يحد من هذا التدخل سوى التزاماتها الدولية بشان احترام حقوق الدول الاخرى وحقوق رعاياها وان مخالفة ذلك يحرك المسؤولية الدولية.
والواقع انه على الرغم من مهاجمة التيارات الحديثة لفكرة السيادة فان الاتفاقات الدولية العالمية والإقليمية لا تزال تجعل من احترام السيادة الوطنية قاعدة اساسية ونص عليها عهد العصبة وميثاق الامم المتحدة الذي قام على اساس وجودها ، والمساواة بين جميع الاعضاء في نطاق الهيئة عدا حالات استثنائية وأكدت ذلك محكمة العدل الدولية.