التنظيم القانوني للعفو من العقوبات الضريبية في التشريعات العراقية
ahmed.haider2016@mail.ru م. حيدر نجيب أحمد فائق
يهتم المشرع العراقي وبشكل منقطع النظير بمشاكل الضريبة على الدخل والعقار والعرصات على حد سواء بهدف إيجاد الحلول والمعالجات لها وما ينجم من تطبيق النصوص القانونية ذات العلاقة على مصادر الدخل الخاضعة للضريبة وأشخاصها المكلفين، وفي سبيل تحقيق الأهداف المالية وسياسة الدولة في هذا الاتجاه فقد تكفل المشرع العراقي الضريبي عموما بتنظيم نصوص وأحكام قانونية تتبنى حالات سقوط العقوبات الضريبية أو للعفو منها تشجيعا للمتهربين من دفع الضريبة والمخالفين لأحكام القانون الضريبي أو من يرتكب أفعال توصف بالجرائم الضريبية لحل هذه الأوضاع ودفع الضريبة بما يكفل دعم وتعزيز مالية الدولة وزيادة إيراداتها ومن ثم إغناء الخزينة العامة بالإيرادات الضرورية التي تخرج بعدها بصورة نفقات عامة، ولذلك وجدنا ضرورة تسليط الضوء على التنظيم القانوني للعفو من العقوبات الضريبية وفقا لما جاءت به النصوص التشريعية العراقية والمتناثرة بين عدة قوانين لجمعها وتوحيدها وتوضيحها في مقال متواضع نعتقد بشموليته ودقته ليكون نقطة انطلاق ثقافية وقانونية تدور في فلك العلم والمعرفة المالي عموما والضريبي خصوصا.
ومن هذا المنطلق، نجد وبشكل عام أن المشرع العراقي الجنائي قد نظم الية سقوط الجرائم والعقوبات والتي جاءت عامة مطلقة يمكن سحبها في التطبيق أيضا على العقوبات والجرائم الضريبية لما لم يرد به نص يحكمه أو اذا وجد نص أو حكم في القانون الضريبي المعني أو بحسب التنظيم القانوني قدر تعلق الأمر بالضريبة او بخلاف ذلك أو باستثناءات من الناحية العملية، ونقصد بذلك ما جاء في المواد 150-155 و 146-149 من قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 المعدل، وفي الواقع إن مساحة مقالنا المتواضع هذا لا تكفي لسرد التفاصيل والأحكام العامة والخاصة التي انطوت عليها جميع المواد الجنائية السابقة سوى الإشارة لعناوين مضمونها في سقوط الجرائم والعقوبات لوفاة المحكوم عليه والعفو العام والخاص وصفح المجني عليه وعن إيقاف تنفيذ العقوبة، ولكل ما سبق يلاحظ انسجام ما جاء في بعضها مع الجانب الضريبي واستبعاد غيره أحيانا وبحسب طبيعة ووصف وشروط الجريمة الضريبية.
وسنركز في إطار مقالنا هذا على ما يخص الجانب الضريبي تحديدا والذي جاء بنص خاص صريح يمثل إجراء (عقد التسوية الصلحية) الذي ينحصر في ثنايا مضمون أحكامه في السريان إلى طرفي العلاقة الضريبية وهما المكلف والسلطة المالية الممثلة بوزير المالية، وهذا الإجراء قد يقابل ما جاء في نص المادة 155 من القانون الجنائي العقابي العراقي السابق في تحديده والذي يشير إلى صفح المجني عليه على الجاني او مرتكب الجريمة، فهذه التسوية الصلحية بموجب المادة 59 (مكررة) تكاد تكون الحالة الوحيدة التي جاء بها قانون ضريبة الدخل العراقي رقم 113 لسنة 1982 المعدل لإسقاط العقوبة الضريبية أو العفو منها ولكن بشروط لابد من تنفيذها ويقع العبء من اختيارها ونتائجها في الغالب على المكلف المخالف وصولا لتنفيذها والعمل بمقتضاها، ونلخص شروطها بان على المكلف المخالف بعد ثبوت الجرائم الضريبية بحقه أن يتقدم بطلب تحريري للسلطة المالية بنفسه أو ممن يمثله قانونا لعقد التسوية الصلحية الذي يكون بينه وبين وزير المالية على ان تكون الجريمة والعقاب ثابت بحقه وقبل إقامة الدعوى أمام المحكمة المختصة أو في أي مرحلة من مراحل الدعوى وقبل النطق بالحكم بها من الجهة المختصة بنظر الجريمة الضريبية التي تتحدد بموجب نصوص المواد 57-58 والتي تشمل حكما بمعاقبة المكلف المخالف عن الجنح فقط دون ما جاء في نص المادة 56 من نفس القانون أعلاه مع عدم جواز العدول عن عقد التسوية الصلحية وطلبها بعد الموافقة عليه من المرجع المختص فيكون ملزم بدفع مثلي مبلغ الضريبة المحدد وفي خلال 10 أيام من تأريخ الموافقة ومن دون تأخير لان ذلك سيرتب جزاءات مالية أخرى نتيجة التقاعس في الدفع خلال هذه المدة القانونية بغرامات، ويرتب عقد التسوية في حالة نفاده بشروطه إلى سقوط العقوبات بحق المكلف وعدم إقامة الدعوى الجزائية ضده أو إيقاف إجراءاتها في أي مرحلة من مراحلها وقبل النطق بالحكم، علما ان عقد التسوية هو جوازي في قبوله لا الزاميا، وفي هذا الاتجاه التشريعي الضريبي السابق توضيحه نرى إيجابية العفو الصلحي وسلبيته في ذات الوقت، فالجانب الإيجابي له إن المشرع يعطي فرصة للمخالفين بتصحيح أفعالهم لحماية حقوقهم ومصالحهم المالية ولدعم إيرادات الدولة قطعا بشكل مباشر أو غير مباشر، وعن السلبية فإن هذا الحكم سيعطي طريق وأسلوب سهل للمخالفين تهربا من دفع الضريبة وربما الاستمرار بهذا الاتجاه لما يستتبع ذلك من إمكانية قانونية للتخلص من العقوبة باستبدالها ماليا متى ما تم اكتشاف المخالفة وثبوتها ناهيك عن الفترة الزمنية التي تستغرقها الإجراءات والروتين الإداري في التنفيذ، وبذلك سيكون للمخالف فرصة زمنية كافية لمعالجة الموضوع في غير الطريق القانوني وربما السفر خارج العراق.
إضافة لما تقدم من تنظيم قانوني سابق للإعفاء أو العفو من عقوبات الضريبة والشروط المعهودة للعمل في هذا المجال، إن ما يهمنا أيضا هو سياسة الدولة المالية ضريبيا في القانون الأخير الصادر حديثا تحت عنوان قانون العفو من العقوبات الضريبية بالرقم 9 لسنة 2019 والمنشور في الوقائع العراقية بالعدد 4551 في 19-8-2019 وبواقع 4 مواد قانونية مقتضبة وخالية من وجوب إصدار تعليمات من السلطة المختصة لتسهيل تنفيذ وتطبيق أحكام هذا القانون وهو مأخذ وقصور تشريعي بمنظورنا القانوني نظرا لأهمية التنظيم القانوني لمحتوى وموضوع الإعفاء ومداه في التأثير على مالية الدولة والحقوق والمصالح التي لا مجال في التوسع هنا بذكرها وتفصيلها اجتماعيا وماليا واقتصاديا، وقد تضمن هذا القانون نصوص خاصة تتعلق بالعفو من العقوبات الضريبية سواء كانت الأفعال المخالفة المرتكبة في مجال الضريبة على الدخل عن الغرامات والمخالفات والجنح في المواد 56-59 وغيرها من الإجراءات في هذا المجال في قانون ضريبة الدخل رقم 113 لسنة 1982 المعدل أو العقار عن الغرامات والعقوبة بما لا يزيد عن 6 اشهر في حدود المادة 30 من قانون ضريبة العقار رقم 162 لسنة 1959 أو العرصات عن الغرامات فقط في قانون ضريبة العرصات رقم 26 لسنة 1962 على حد سواء، وحسنا فعل المشرع العراقي في هذا الشمول لمواضيع الإعفاء في مختلف التشريعات الضريبية والأشخاص المكلفين تحقيقا للتوازن التشريعي والعدالة الاجتماعية القانونية وغيرها من المبررات، وبشروط والتزامات لابد من توفرها لسلامة تطبيق أحكامه لإعطاء المكلفين فرصة عن تسوية جرائمهم والمشاكل العالقة بينهم وبين السلطة المالية وصولا لسلامة موقفهم المالي ودفع ما بذمتهم من مبالغ ضريبية، وتتلخص الشروط لسلامة التطبيق وضمان المشروعية القانونية وسيادة القانون بضرورة تقديم طلب تحريري للعفو الضريبي في خلال سنة من تأريخ نفاذ القانون الضريبي المعني على أن يسدد مبلغ الضريبة فقط من دون مثليه في القانون الضريبي على الدخل في التسوية الصلحية لقبولها، وبخلاف هذا الشرط يترتب إضافة نسبة 10% كغرامة تحتسب على مقدار الضريبة الأصلي الذي بذمة المكلف المخالف ومن تأريخ ارتكابها ولغاية يوم التسديد، ويستمر هذا التشريع في التنظيم بتحديد الأوضاع القانونية والجرائم المشمولة بأحكامه في العفو عنها وهي التي لم تحرك بشأنها الدعوى او التي لم يصدر بها حكم قضائي أي في أي مرحلة من مراحل الدعوى والتي لم يجري بصددها عقد التسوية الصلحية أيضا مع إمكانية إيقاف الإجراءات في الدعوى نهائيا قبل الحكم فيها طالما كان المكلف مشمول بأحكام هذا القانون بعد تقديم الطلب للعفو من العقوبات الضريبية للدخل أو العقار أو العرصات.
ويفهم من كل ذلك، إن العفو من العقاب الضريبي في الأوضاع القانونية السابقة مشروط بتقديم طلب تحريري إلى الجهة المختصة وان يتم دفع مبلغ الضريبة كاملا خلال مدة محددة نجدها كافية برأينا، وبخلاف ذلك عند التأخير فنجد المشرع العراقي قد سمح بإمكانية الشمول بتطبيق العفو إلا أن الدفع سيكون باحتساب الغرامات دخولا في اطار العفو من العقوبة وللجرائم كافة من دون استثناء ولكن بشروط محددة تكاد تكون تعديل تام بالإضافة والصياغة الجديدة لما سبق من أحكام تم ذكرها في التشريعات الضريبية العراقية أعلاه، وان الشروط الأخيرة يمكن عكسها كاستثناء وموانع من تطبيق أحكام هذا القانون، مثلا اذا كانت الجريمة قد تم النظر بها وصدر عنها حكم قضائي نهائي مكتسب للدرجة القطعية احتراما لحجية الحكم القضائي وقوة الشيء المقضي به في هذا الصدد فعندها لا يجوز شمول العقوبة بالعفو أو التي عقدت بشأنها التسوية الصلحية أيضا التي نرى الابتعاد عنها للاستفادة من نصوص العفو في هذا القانون تخلصا من دفع مثلي مبلغ الضريبة واختصارا للإجراءات والروتين والجهد، علما أن صراحة نص المادة 1 من قانون العفو توحي وتؤكد العفو عن الجرائم سيكون وجوبي وإلزامي اذا ما تم فعلا تقديم الطلب وتسديد مبلغ الضريبة وتحققت الشروط التي تم توضيحها مسبقا، مع تحفظنا على نفس الانتقادات الموجهة من جانبنا باعتقادنا لا اعتراضا على إرادة المشرع العراقي وغيرنا من أصحاب الاختصاص عن عقد التسوية الصلحية التي سبقت الإشارة اليها……ومن الله تعالى التوفيق.