الاتجاه التشريعي العراقي الحديث في حماية حقوق الإنسان من الاختفاء القسري
م.د حيدر نجيب أحمد فائق ahmed.haider2016@mail.ru
يحتوي الدستور العراقي النافذ لسنة 2005 كثيرا من النصوص والمبادئ العامة التي تتطلب تشريعات فرعية قانونية لضمان حسن تطبيقها وبما ينسجم مع واقع الحياة في المجتمع العراقي وحماية الحقوق والحريات، وقد صدرت العديد من التشريعات العراقية بهذا الاتجاه ومنها ما لم يصدر لغاية الآن ولم يشرع بالأصل والآخر قد صيغ وانتهى إلا انه لم يرى النور القانوني على ارض الواقع لغاية الآن وبانتظار التصويت للنفاذ وفقا للجدول الزمني لتحضير وإعداد ونفاذ التشريعات المعدة قيد الإنجاز، ولعل من بين هذه التشريعات هو ما يتعلق بحياة الأفراد وامنهم وحرياتهم في المجتمع العراقي وفقا لما جاء في الدستور العراقي السابق وهو قانون حماية الأشخاص من الاختفاء القصري لسنة 2019 وبواقع 17 مادة قانونية، وهو قانون جاء في مضمون أحكامه جملة من الضمانات القانونية لحماية حقوق الإنسان من الأفعال المجرمة والتي لها مساس واعتداء على الحرية والحياة وغيرها من أوضاع وبما يعكس فعل الإخفاء للفرد قسرا من جانب الجهات المعنية.
بداية نرى إن مصطلح (الإخفاء، الاختفاء) ضمن عنوان وتسمية هذا القانون هي بحاجة لإعادة النظر في اختيار الأصلح بينهما في التعبير لغة وحتى في الاصطلاح عن مضمون وتفاصيل أحكام هذا القانون، ويعرف القانون أن فعل الاختفاء القسري من الأفعال المجرمة المرتكبة ضد حياة وحرية الأفراد وان من يقوم بهذا الفعل سيكون حصرا بطريق مباشر من الموظف الحكومي أو غير مباشر من أفراد غير موظفين وذات ارتباط بالدولة أو بدعم منها، وبذلك لا ينطبق هذا الفعل المجرم على من لا يتصف أو لا يرتبط بالدولة على وجه الخصوص وأيا كانت صفته، علما أن هنالك من الجرائم والعقوبات التي تتصل بمثل هذه الأفعال المجرمة ممن لا يرتبطون بعلاقة مباشرة أو غير مباشرة بالدولة وما يدخل في اطار قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 المعدل، ومن ثم فان ما سيرد من إيضاحات وأحكام لاحقة نعتقد كان من الأفضل وليس باعتراض على إرادة المشرع العراقي إضافتها بالتعديل لنفس نصوص القانون السابق تحديده ولقانون أصول المحاكمات الجزائية رقم 23 لسنة 1971 والقوانين الأخرى ذات العلاقة ولا داعي لاستصدار قانون جديد بذلك مستقبلا، وعلى العموم فقد حدد قانون حماية الأشخاص من الاختفاء القسري نطاق سريانه على كل من تم اعتقاله أو احتجازه بشكل قسري وإخفاء المعلومات عن مكان وجوده داخل الجمهورية العراقية من قبل أشخاص تابعين للدولة أو على علاقة بهم، ويهدف القانون إلى حماية الإنسان وحياته ومحاسبة مرتكبي الجرائم وتوثيق علاقة الفرد بالدولة وحسن تطبيق أحكام القانون وغير ذلك، وعلى الجهات الحكومية ذات العلاقة يقع الالتزام بإنشاء قاعدة بيانات لجميع المحكومين والمعتقلين مع التحديث للمعلومات دوريا إضافة لتعزيز التعاون مع مفوضية حقوق الإنسان للكشف عن المخفيين قسرا وما له علاقة بهذا الجانب، وعلى المحاكم أن تنظر دعاوى الاختفاء القسري بغض النظر عن أطرافها، كما تلزم الجهات الحكومية والقضائية بحماية اطراف الدعوى للاختفاء القسري والقائمين بالتحقيق من سوء المعاملة والتهديد وغيرها، كما أن للمدعي العام صلاحية تحريك دعاوى الاختفاء القسري وعلى الحكومة التزام تقديمها للمساعدات لذي العلاقة من ضحايا الاختفاء القسري، مع عدم جواز التذرع باي أوامر أو تعليمات سهلت أو أدت إلى ارتكاب هذه الجريمة مع ملاحظة قصور نص المادة القانونية المتعلقة بذلك والتي نعتقد بضرورة إعادة النظر بها وصياغتها، وما يهمنا هنا إضافة للضمانات السابقة هي العقوبات التي تترتب على هذه الجريمة إن تحققت فعلا مع قصور التشريع في هذا الجانب في توضيح كثير من الأوضاع القانونية اللازمة لتحقق الفعل وإثباته بحق الجاني، ويسأل مرتكب جريمة الاختفاء القسري أو من ساهم بها بالسجن لمدة 15 سنة ولكن من دون حدود تتراوح بين الحد الأعلى والأدنى ونعتقد بعدم صحة الحكم إضافة للغرامة التي لا تقل عن 25000000 دينار ولا تزيد على 50000000 دينار، ولا يوجد في هذا الحكم تخيير بين الغرامة والسجن بل كانت العقوبات متصلة ومكملة بعضها للآخر، وحسنا فعل المشرع العراقي في هذا الاتجاه، أيضا بالسجن لمدة لا تقل عن 7 سنوات وبغرامة لا تقل عن10000000 دينار ولا تزيد عن 15000000 دينار كل من يمتنع عن إعطاء معلومات إلى الجهات المختصة اذا كان احد مرؤوسيه له علاقة بارتكاب جريمة الاختفاء القسري، وهنا يلاحظ أيضا إن النص جاء قاصر بنظرنا في صياغته بما يخدم استكمال وإحاطة لأوضاع قانونية أخرى، علما ان هنالك من الفقرات والبنود لا تحتاج إلى الفرز والترقيم وإنما إلى الدمج والصياغة في الألفاظ، ويذهب المشرع العراقي في الاتجاه إلى التشديد بالعقوبة حتى يصل بها إلى السجن المؤبد مع الغرامة بمبلغ لا يقل عن 50000000 دينار ولا يزيد على 200000000 دينار في حالة ارتكاب الجريمة ممن استخدم صفته الرسمية أو شارك بجريمة الاختفاء القسري إضافة لعقوبة الإعدام اذا أدت الجريمة إلى موت المختفي قسرا، ولم يحدد هنا المشرع العراقي أيضا أوضاع أخرى تتمثل بموت الشخص لحظة الاعتقال أو الخطف ولا يزال الاختفاء القسري غير متحقق، ونعتقد أن الأحكام في هذا القانون تتداخل مع أحكام قوانين وتشريعات عراقية أخرى تحتاج إلى التوحيد أو التمييز في أحوال أخرى وما يجب مراعاته في هذا الصدد، وعلى العموم فان من يتعرض إلى ضرر من هذه الجريمة وتحققها فله حق اللجوء إلى المحاكم المدنية للمطالبة بالتعويض العادل عن الأضرار المادية والمعنوية، ويراعب المشرع العراقي حالة التخفيف للعقوبة من دون تحديد لسقفها الزمني لمن ندم على فعله وساهم بالجريمة وقام بإعادة المجني عليه وهو على قيد الحياة وهذا شرط في الحكم نراه قطعي أو بإعطاء وتقديم المعلومات اللازمة للكشف عن المختفين قسريا وهنا لم يشترط المشرع بقطعية وجوده على قيد الحياة أو للاستدلال عمن ارتكب الجريمة وحسنا فعل المشرع العراقي بهذا الاتجاه، ولا يسري التقادم على الجرائم المرتكبة وفقا لأحكام هذا القانون، وبنفس الاتجاه للتشريعات العراقية الأخرى التي تضمنتها مقالاتنا السابقة فان المشرع العراقي يؤكد ويعزز نصوص هذا القانون بتطبيق أحكام قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 المعدل وقانون أصول المحاكمات الجزائية رقم 23 لسنة 1971 المعدل لما لم يرد فيه نص وهو اتجاه محمود بنظرنا من المشرع، أخيرا يلزم التشريع مجلس الوزراء بإصدار تعليمات لتسهيل تنفيذ أحكام هذا القانون.
وفي نهاية المطاف نود التذكير بأهمية إصدار هذا التشريع في كل الأحوال نظرا للآثار الإيجابية المتحققة من التطبيق لأحكامه مع تحفظنا أيضا لإمكانية إجراء التعديلات بالإضافة في نفس أحكام ونصوص القوانين الجنائية والإجرائية العراقية لما ورد من نصوص في هذا التشريع إذا ما تعذر إصداره ونفاذه في الوقت الحاضر ومن دون حاجة لمزيد من الجهد واختصار للوقت في إصدار قانون جديد، مع ضرورة إجراء التعديلات اللازمة في صياغة أحكامه اذا ما باشرت السلطة التشريعية بهذا الاتجاه لوجود القصور البين والواضح قطعا فيها بالزيادة أو العكس من ذلك والتي لا تسع مساحة مقالنا المتواضع للخوض والولوج في تفاصيلها وكثرة اتصالها بقوانين وتشريعات جزائية وجنائية وحتى المدنية العراقية منها لاستكمال زوايا ضمانات هذا القانون… انتهى بعون الله تعالى.