الاعتراض على القرارات الادارية لتعادل الشهادات وفقا للاتجاه التشريعي العراقي الحديث م.د حيدر نجيب أحمد فائق Ahmed.haider2016@ail.ru
تضمنت معظم التشريعات الادارية العراقية النافذة نصوص قانونية تؤكد وتعترف بحق الاعتراض الاداري على قرارات الادارة العامة المعنية بالعلاقة القانونية لموضوع النزاع وما يستتبع ذلك ايضا من طعن قضائي امام المحاكم المختصة في نظر هكذا نزاعات ادارية، وبرغم التناقض وربما القصور في التنظيم القانوني مع غياب التوحيد التشريعي لموضوع الاعتراض بحسب طبيعة ونوع القرار الاداري في ثنايا النشاط الاداري المتنوع ووفقا لآليات قانونية خاصة مختلفة بتقديم الاعتراض الاداري وحتى القضائي في حالة رفض الاعتراض او التظلم فأن التشريعات العراقية كانت ولا زالت تهتم بشكل منقطع النظر بعدم ضياع الفرصة لحق الاعتراض الذي يهدف الى تحقيق نوع من التوازن بالمصالح الفردية والعامة على حد سواء ولتصحيح اخطاء الادارة والمخالفات بافتراض وجودها لتبقى اعمال الجهات الادارية في الطريق الصائب للمشروعية القانونية تحقيقا للعدالة الاجتماعية والقانونية، ولعل من بين الجوانب المهمة التي تستحق تسليط الضوء عليها في مساحة مقالنا المتواضع هذا هو الالية والتنظيم القانوني للاعتراض على قرارات الادارة العامة لنشاط وعمل دائرة البعثات والعلاقات الثقافية العراقية وخصوصا قسم معادلة الشهادات فيها وامتداد هذا التنظيم للاعتراض الى نشاط هيئة الرأي في وزارة التعليم العالي والبحث العلمي العراقية وما تقضي به بالاشتراك في اتخاذ القرار الاداري في حالة رفض الاعتراض من الجهة المختصة والمخولة بنظر الاعتراضات على قرارات رفض التعادل للشهادات. صدر قانون اسس تعادل الشهادات والدرجات العلمية العربية والاجنبية رقم 20 لسنة 2020 والمنشور في الوقائع العراقية بالعدد 4608 في 21 كانون الاول 2020 والذي تضمن الية قانونية محدد للاعتراض على قرارات الادارة برفض التعادل للشهادات وما يتبع ذلك من اثار ربما سلبية على ذوي العلاقة القانونية بالتعادل والالتزامات الملقاة على عاتقهم للحصول على الشهادة المنشودة معادلتها، وعلى العموم نرى ان هذا التنظيم له من الصفات ما قد يلاحظه الغالبية العظمى من المختصين وما قد يخفى على البعض الاخر، فقد جاءت نصوص التنظيم القانوني لآلية الاعتراض بمساحة ونطاق ضيق الحدود من توضيح لاهم التفاصيل التي كان من الاجدر بالمشرع العراقي اخذها بنظر الاعتبار من ناحية التوضيح والدقة لضمان حق الاعتراض وخصوصا ما يتعلق بالإجراءات الموضوعية والشكلية التي يجب اتباعها عند سلوك هذا الطريق لكلا طرفي النزاع وما عليهم من حقوق والتزامات، فلا يكفي مجرد الاعتراف بحق الاعتراض الاداري والقضائي وتحديد جهة الاعتراض ونظره والمدة القانونية لتقديم الاعتراض او الطعن القضائي دون توضيح لتفاصيل هذه الضمانات القانونية والاجراءات الداخلية او الاثار المترتبة على كل ما وردت الاشارة اليه في هذا الجانب، كذلك ان حق الاعتراض في القانون ذاته ينصرف الى الاعتراض اداريا وكذلك قضائيا وحسنا فعل المشرع العراقي بذلك، يضاف لما سبق ان القانون اعلاه قد جاء بتنظيم مختلف عن التشريعات العراقية الاخرى في جانب الاعتراض من الية خاصة من ناحية الجهة المختصة بنظر الاعتراض والمدة القانونية للاعتراض وما ورد من تحديد للمحكمة المختصة واتصال ذلك ايضا بمدة الطعن القضائي والتي تنسجم مع المدة المحددة لإقامة الدعوى ضد القرارات الادارية وفقا للقواعد العامة المتعارف عليها لإقامة الدعاوى الادارية. مما تقدم ذكره في اعلاه، فقد تضمنت المادة 9 من نفس القانون عدة فقرات تحدد الية الاعتراض على قرارات رفض المعادلة للشهادة من خلال تحديد الجهة صاحبة الاختصاص في نظر التظلم وهم كل من وزير التعليم العالي والبحث العلمي او الى مدير عام دائرة البعثات والعلاقات الثقافية او الى من يخولهم كل منهما ولا نعتقد بصحة تقديم التظلم بشكل عشوائي الى كل من الجهات المشار اليها او بعضها في نفس الوقت بحجة ضمان حق الاعتراض ونظره لان في ذلك ضياع لفرصة الاعتراض نفسها علما ان القانون لم يحدد حكم لمثل هذه الحالة وكان الافضل مراعاة المشرع لهذا الجانب بهدف التوضيح لوجود اكثر من جهة مختصة بنظر الاعتراض وهي حالات او اوضاع قد ترد فعلا من الناحية الواقعية، هذا ويلاحظ ان مدة تقديم التظلم قد حدد بحكم صراحة النص القانوني في خلال 90 يوما من تاريخ صدور القرار ولم يرد بالنص اي اشارة الى العلم اليقيني بالقرار وحسنا فعل المشرع العراقي بتثبيت مدة الاعتراض بذلك الوقت الذي نراه منصفا وطويلا بالمقارنة لما جاء بالتشريعات الاخرى العراقية التي حددت المدة باقل من ذلك بكثير، ويستتبع المشرع العراقي لما سبق من حكم بحكم اخر قد لا يوجد له تصريح في تشريعات عراقية تعترف بحق الاعتراض من خلال السماح للمتضرر او صاحب الشأن بان يقدم الاعتراض ولمدة لا تزيد على 5 سنوات اذا تقدم بأدلة ثبوتية ووثائق ومبررات جديدة تدعم الاعتراض والتي لم يسبق تقديمها، ويبدو ان هذا الحكم يتضمن تعويض الفرصة لصاحب الشأن اذا ما خسر اعتراضه الاول، علما ان النص القانوني لم يكن دقيق بالمعنى الحرفي لبيان ذلك، الا ان ما يفهم من صياغة الفقرة والتنسيق القانوني والسياق لتسلسل الية الاعتراض يشير الى ذلك قطعا من خلال فحص وتفسير عبارة (…لم يسبق تقديمها……)، وفي كل الاحوال فان صياغة النص القانوني قد يفهم منها ان حق الاعتراض سيبقى مطلقا لمدة 5 سنوات ولكن بشروط من دون وجود الاعتراض الاول، لذا نعتقد بضرورة اعادة النظر بصياغة هذا الحكم بقصد الدقة وشفافية العمل ضمن الية الاعتراض الاداري، كما نجد ان المشرع العراقي قد اعطى فرصة اخرى لصاحب الشأن بفتح طريق الطعن القضائي على القرار الاداري الصادر برفض الاعتراض من الجهات المختصة بنظر الاعتراض والتي سبقت الاشارة بتحديدها انفا، فالمتضرر له حق الطعن امام محكمة القضاء الاداري حصرا وفي خلال مدة 60 يوم من تاريخ التبليغ به باعتباره من القرارات الادارية الفردية طبقا لما تقضي به القواعد العامة للعلم بالقرار الاداري، وفي هذا الاتجاه التشريعي الاخير نرى الانسجام والاتفاق الواضح بين ما تقضي به التشريعات الادارية من تحديد لمدة الطعن القضائي الاداري امام محكمة القضاء الاداري وبين ما جاء به هذا القانون من حكم لمدة الطعن امام نفس المحكمة المعنية بتعليقنا انف الذكر وحسنا فعل المشرع العراقي بهذا الاتجاه التشريعي المحمود من جانبنا، بل ونضيف من جانبنا تبعا لذلك ان قرارات محكمة القضاء الاداري بهذا الشأن وبمنظورنا القانوني المتواضع ستكون قطعا خاضعة للطعن بها امام المحكمة الادارية العليا والتي تختص بهذا الشأن بحكم النص القانوني الصريح المحدد لاختصاصات المحكمة الاخير في قانون التعديل الخامس رقم 17 لسنة 2013، الا ان القانون الخاص بتعادل الشهادات سكت عن توضيح ذلك، فهل كان السكوت يمثل نهاية البداية للاعتراف بحق الاعتراض في نفس القانون ام كان سكوت المشرع يقضي واقعيا وبديهيا للرجوع الى ما تقرره القواعد العامة بهذا الجانب، ونعتقد بصحة الاتجاه الاخير الثاني وفقا لما تم توضيحه مسبقا لاختصاصات المحكمة الادارية العليا لان التسليم بالاتجاه الاول سيكون محلا للتناقض والتعارض مع تطبيق مبدأ المشروعية القانونية وتحقيق العدالة وما يفسر لمصلحة المتضرر او صاحب الشأن في حالة الغموض في النص القانوني، يضاف لما سبق ان مضمون حق الاعتراض اداريا ومن خلال متابعة الفاظ النص القانوني نجده جوازي لا اجباري على صاحب الشأن بالاعتراض او بترك القرار بآثاره وعلى خلاف الطعن القضائي الذي يقضي بإلزامية المضي به بحيث ان القرار الاداري القاضي برفض التظلم وبحكم صياغة كلمات والفاظ النص سيكون خاضعا للطعن دون النظر للاجتهادات المحتملة في ظهورها في هذا المجال، واخيرا ومن خلال عطف النظر على بعض الاحكام القانونية التي جاء بها القانون يمكن الاشارة الى ان المشرع العراقي يلزم قسم معادلة الشهادات بإحالة الشهادة التي لا يمكن معادلتها وفقا للأسس المحددة في القانون الى هيئة الرأي في الوزارة للبت بموضوعها مع اعداد محضر بذلك، ونعتقد بان هذا الاتجاه التشريعي كان موفقا لأنه يعطي فرصة اخرى لإعادة النظر بقرار او حكم القسم المعني بعدم المعادلة تجنبا للظلم المحتمل او الخطأ بالتقدير الاداري في عدم المعادلة، ومن كل ذلك يمكن القول ان القانون المعني قد تضمن جملة من الضمانات القانونية لحماية الافراد من حاملي الشهادات وبغض النظر عن نوعها ان كانت اولية او عليا او غيرها ومهما كان اختصاصها وسواء كانت هذه الضمان تتصل بحق الاعتراض الاداري او الطعن القضائي بأشكاله واساليبه المتنوعة والتي سبق تحديدها بالإضافة الى ضمانات اخرى تدخل بصلاحيات وسلطات الوزير او المدير العام والتي لا نجد مساحة كافية لحصرها وتفسيرها برغم اهميتها التي ربما ستكون محلا ومواضيع للخوض بتفاصيلها في دراسات وبحوث ومقالات قانونية في مناسبات لاحقة خدمة للعلم والتعليم، ونكتفي بهذا القدر من التعليقات لننتهي من مقالنا هذا…ومن الله تعالى التوفيق.