اعداد: أستاذ مساعد دكتور حيدر نجيب أحمد فائق المفتي
في حدود العمل والنشاط الإداري كثيرا ما نلاحظ اختلاط مفهوم ومضمون المصلحة العامة في اتخاذ القرارات الإدارية بجانب الانحراف بغاية وهدف القرار الإداري او السلطة واستخدام الصلاحيات للرئيس الإداري او الموظف المختص، وهذا ما يسبب الغاء القرار الإداري بنتيجة الطعن القضائي في الغالب لعدم تصور الغاء نفس القرار الإداري المتظلم منه والمؤطر بجوانب المصلحة العامة لشيوع حالة عدم اعتراف الإدارة بخطئها، وبدورنا كمختصين في مجال القانون الإداري وبتواضع تام لا نتهم ولا نقصد بذلك مخالفات إدارية لشخصيات إدارية كالرئيس الإداري وغيره من الموظفين بالذات وانما على العموم لمن يباشر مهام الوظيفة الإدارية، فالأساس الذي يتركز عليه مضمون مقالنا المتواضع هنا هو حالة اتخاذ القرار الإداري تجاه الافراد والموظفين الذي قد يكون فعلا بقصد تحقيق المصلحة العامة مع وجود الخلط ربما بينها وبين الانحراف بالسلطة ومن ثم ينصرف التصرف القانوني هذا تحديدا الى تفسيره كاستغلال للصلاحيات والسلطات في نظر البعض من أصحاب المصلحة في الغاء القرار الإداري، او ربما يكون القصد متعمدا بالأساس لإلحاق الضرر بمن سيتعلق القرار بمصلحته فيصدر القرار بهذا الاتجاه للإضرار بالمصلحة الشخصية لصاحب الشأن، ونعتقد وبتواضع تام من جانبنا ان الامر نظريا وواقعيا يعود للخلط بين مفهومي المصلحة العامة وارتباطها بالمحافظة على النظام العام وكذلك بمفهوم الانحراف بالسلطة نظرا لاتساع هذه المفاهيم بالهدف الحقيقي ومرونتهما عند اتخاذ القرار الإداري وهو تحقيق المصلحة العامة بغض النظر عن قاعدة تخصيص الأهداف، وكذلك محاولة منا لتسليط الضوء على هذا الجانب المهم لإيجاد معيار قانوني يمكن الاعتماد عليه ربما قد يفيد للتمييز بين المفهومين السالفين الذكر لتجنب المخالفات الإدارية للتقليل او القضاء على عدم مشروعية القرار الإداري في هذا المجال، فالمصلحة العامة في اللغة تعني الصلاح والنفع وهو ضد الفساد، ومن الناحية الفقهية فان المتفق عليه ان الباحثين والمختصين يجدون صعوبة بالغة في تحديد تعريف موحد للمصلحة العامة، فكثير من النصوص القانونية ذات العلاقة والمؤلفات تكتفي بالإشارة والاستناد الى هذه المصطلحات دون تفصيل وتوضيح او تفسير لها، وكذلك الحال نجده بنفس الاتجاه في ممارسة العمل الإداري فلم نجد أي دلالة او إشارة الى تفسير المصلحة العامة بالرغم من ذكرها بالنص وحرفيا بالاستناد اليها في متن وموضوع القرارات الإدارية، كذلك يشير أخرين الى ان حتى القضاء نجد ان القاضي يستخدمها ويشير اليها صراحة من دون توضيح لها او تفسير على الأقل، فهي تلاحظ وملموسة ولكنها لا تعرف، ومن ثم نقول ان هذه المصطلحات مرنة ومتغيرة من حين لآخر بفعل التغيرات في الظروف والملابسات وما للجوانب السياسية والاجتماعية من اثر عليها عند اتخاذ القرارات الادارية، فمنذ تطور واتساع نشاط الدولة وما أدى ذلك من زيادة في الأجهزة الإدارية كان بالأساس لتلبية الخدمات ومصالح الافراد وبذلك تتأكد المصلحة العامة بالارتباط بينها وبين تحقيق صالح الجمهور بما يضمن توفير افضل الخدمات لكسب الرضا وتعزيز الثقة بين الافراد وعلاقتهم بتصرفات الإدارة العامة بأنشطتها المتنوعة، وعلى العموم فان المستقر عليه هو تعلق المصلحة العامة بمصالح الافراد في كل مجتمع وبالخدمات العامة وجودتها بغض النظر عن عدد المستفيدين منها ونوعها، ويشير البعض من الباحثين الى ان الأستاذ الفرنسي ” جاك شوفلي ” قد عرف المصلحة العامة بأنها : ” واقع اجتماعي ومؤسساتي، وهي تشمل مختلف الأنشطة الخاضعة للتبعية المباشرة أو غير المباشرة”، ومن جانبنا كباحث وبرأينا المتواضع من دون تحجيم لمصطلح المصلحة العامة ومفهومها فهي مجموعة من المبادئ والقيم التي تتعلق بالنشاط الوظيفي بما يتصل بطريق مباشرة او غير مباشر وبتغليب مصلحة الجماعة والافراد على مصلحة الفرد الواحد في مجال تقديم افضل الخدمات والحاجات العامة لإرضاء رغبة الجماعة في حدود الإقليم عموما او ضمن بقعة جغرافية ضمن نفس الإقليم الأكبر للدولة على وجه الخصوص وبوسائل قانونية معلومة ومنها القرار الإداري، ونضيف ايضا ان مفهوم المصلحة العامة باعتقادنا قد ترتبط بمواقف ومجالات محددة بالتعبير عن قوة الدولة في اتخاذ القرارات الإدارية وحتى عند ممارسة الحكومة لوظيفتها السياسية، وبما يدخل في اطار السلطة التقديرية، ومن كل المؤلفات وما جاء به المؤلفين والمختصين والباحثين وجدنا ان تحليلهم للمصلحة العامة عموما يشير الى ارتباط اتجاه المصلحة العامة بمصالح الافراد بشكل عام، كذلك فان المصلحة العامة تتعلق بحسن سير المرفق العام بانتظام واستمرار واضطراد وبما لا يعرقل توفير افضل الخدمات لعموم الجمهور سواء الافراد او الموظفين على حد سواء، وفي الواقع هذا ما يتطلب من جميع الموظفين على مختلف درجاتهم الوظيفية خبرة ومعرفة تامة بمفهوم المصلحة العامة وسواء من كان من الموظفين من هو مختص في صنع القرار الإداري بشكل عام وعلى وجه الخصوص في صياغة ومضمون او موضوع وأثر القرار الإداري.
اما عن الانحراف بالسلطة وبقدر تعلق الامر بموضوع مقالنا فن مفهومه الواسع قد يكون محدد على وجه اسهل من المصطلح السابق المصلحة العامة، ويطلق على هذا العيب بمصطلحات أخرى مرادفة بحسب الترجمة الفرنسية او الألمانية او الإنكليزية مثل (إساءة استعمال او استخدام السلطة، الانحراف بالسلطة ، تجاوز السلطة، التعسف باستعمال السلطة) وغيرها، وسببكلها حقيقة ليست الا عبارة عن مترادفات لوصف تحقيق أغراض واهداف شخصية لمصدر القرار الإداري مستغلا بذلك صلاحياته وسلطاته باسم القانون الذي خوله دون غيره باتخاذ القرار بعيدا عن هدفه العام بالصل، وهذه التعابير والمصطلحات تؤدي الى نفس المعنى في صياغة القرار الإداري الذي يتصف بعدها بعدم المشروعية وبثبوته سيؤدي الى الغائه حتما على الأقل وربما التعويض أيضا، فهو باختصار تعارض المصالح بين مصلحة الموظف الخاصة وبين المصلحة العامة أي الهدف العام من القرار الإداري وبغض النظر عن تخصيص الهدف من اصدار القرار الإداري، ويبدو ان التعاريف في اغلبها تنصرف من الباحثين والمختصين الى معنى واحد ولكنها جاءت بألفاظ وكلمات مغايرة لبعضها البعض لتنجب الاقتباس بينهم، فهو ليس الا استخدام الصلاحية والسلطة في اتخاذ القرار الإداري بموجب الصلاحية المخولة قانونا لمصدر القرار لإحداث اثار قانونية مختلفة ضمنا في أهدافها عن الهدف الحقيقي للقرار الإداري سواء عن هدفه العام وهو تحقيق المصلحة لعامة او مخالفة ما حدده المشرع لإصدار القرار المعني بالانحراف أي بمخالفة قاعدة تخصيص الأهداف، وفي الواقع لا نرى صعوبة في الكشف عن الانحراف بالسلطة في اتخاذ القرار الإداري لمخالفته قاعدة تخصيص الأهداف او السلطة المقيدة لاتخاذ القرار الإداري وان كان ذلك وارد أيضا في حالات نادرة، لكن باعتقادنا سيكون الانحراف بالسلطة وارد ومتحقق وبشكل واضح في حالة السلطة التقديرية للإدارة باتخاذ القرار الإداري، حيث ان الإدارة ستكون صاحبة التقدير في وقت اصدار القرار الإداري وموضوعه وهدفه وغيرها من الأوضاع بحكم القانون، ومن هنا سيستغل هذا الوضع للانحراف او استغلال السلطة حتما نتيجة منح المشرع لهذه الصلاحيات بهذا المجال الواسع وهذه المرونة للإدارة، ومن ثم سيتخذ القرار استنادا للقانون في الانحراف بالسلطة، ويبقى على المتضرر صاحب الشأن مقيدا بإثبات هذا الوضع غير المشروع على عاتقه وهو في مركز اضعف من موقف الإدارة قطعا، فالمستقر عليه فقها وقضائيا هو ان عب الاثبات يقع على عاتق المدعي بخلاف الظاهر وان الثابت ان القرار الإداري يصدر مشروعا واثاره قابلة للتنفيذ مباشرة بعد صدوره نهائيا، فالمبادئ الثابتة إداريا السابقة قد تكون عائقا وفرصة لضياع الحقوق لصاحب الشأن بدلا من صونها وثبوتها للأسف في أحيان كثيرة، وهذا ما يتطلب السعي بشكل منقطع النظير للبحث عن معيار قاطع لتسهيل هذه المهام المستحيلة ربما على صاحب الشأن في مجال الاثبات، فمن المعروف ان اثبات الانحراف بالسلطة والغاية الحقيقية لمصدر القرار هو صعب جدا لانه بحاجة للكشف عن هذا العنصر النفسي الداخلي وما كان كامنا ويكمن في خاطره ونفسه بقصد الاضرار بصاحب الشأن مستغلا بذلك مصدر القرار ربما جهل صاحب الشأن بتفاصيل الشأن الإداري والوظيفة الإدارية والصلاحيات والسلطات التي خولها القانون للرئيس الإداري او الموظف المختص في اصدار القرار الإداري، وباختصار يتحقق الانحراف بالسلطة واستخدامها تحت ظل سقف القانون وبحمايته، والتساؤل المهم هنا ما هو المعيار الحقيقي المعتمد لاكتشاف الانحراف وتحققه فعلا للوقوف ضده ومنعه لمصلحة الكافة من المستفيدين من القرار الإداري ولمحاربة هذه الحالة البغيضة ان صح التعبير عن ذلك، ونلاحظ ان كثيرا من الباحثين والمختصين يذهبون باتجاه الاعتماد على هدف القرار لكشف تحقق الانحراف بالسلطة بغياب تحقق المصلحة العامة من عدمه، وهنا سنصطدم أيضا بتساؤل اخر يتلخص بماهية ومفهوم المصلحة العامة التي ستكون ذات مفهوم واسع ومرن جدا بحسب المتغيرات للظروف المحيطة لضمان حسن سير المرفق العام، ومن ثم الوصول الى نتيجة حتمية وملحة الى ضرورة معرفة سبب اتخاذ القرار الإداري، وهو باعتقادنا افضل معيار محدد لتوضيح وتفسير العلة والمبرر الحقيقي لاتخاذ القرار الإداري، فتسبيب القرار الإداري لا بالاستناد الى الصلاحيات المخولة للموظف المختص بإصدار القرار ولا بالاستناد للمصلحة العامة او لأغراض تنظيمية سيجعل من القرار الإداري يصاغ ويكتب بشفافية ووضوح اكثر دقة للتعبير عن موضوعه واقرب للتوفيق بين المصلحة العامة ومصلحة صاحب الشأن ان كان فردا او موظفا، وهنا ستتولد صعوبة أخرى لمبدأ مستقر عليه منذ الازل والقدم في الجانب الإداري وهو (عدم الزام الإدارة قانونا بتسبيب قرارها الإداري الا اذا نص القانون على خلاف ذلك) او (ان الإدارة غير ملزمة بتسبيب قرارها الإداري الا اذا نص القانون على تحديده)، ومن هذا المنطلق ولما تقدم توضيحه سابقا لمفاهيم الانحراف بالسلطة والمصلحة العامة والاشكالات الواردة عن الخلط بينهما بما يرتب عدم مشروعية القرارات الإدارية ولاتساع مفهوم المصلحة العامة والانحراف بالسلطة ومنح الإدارة سلطة تقديرية وغيرها من أوضاع قانونية إدارية، فإننا كمختصين في القانون الإداري مع كل عبارات واعتبارات الاحترام لغيرنا ومن سبقنا من باحثين ومختصين وفقهاء، نقترح ونوصي وبتواضع تام الى (اعتماد (تسبيب القرار الإداري) في متن ومضمون جميع القرارات الإدارية بعيدا عن عدم تقييد الإدارة بذكر سبب اتخاذ القرار الإداري ومنحها السلطة التقديرية بهذا الاتجاه، فهذا الاتجاه باعتقادنا سيؤدي الى دقة ووضوح وشفافية اكثر واوسع نطاق في اتخاذ القرارات الإدارية طالما كان الأصل بالقرار الإداري ان يكون له سبب فلماذا التخوف من ذكره بالاصل وكذلك هو مفيد وايجابي لصاحب المصلحة لمعرفة حقوقه والتزاماته طالما كان القرار يصدر لإحداث اثار قانونية بالأساس، فالقرار الإداري وجد بالأساس كوسيلة إدارية قانونية لتحقيق مصلحة صاحب الشأن وثبوت الحق وتوفير افضل الخدمات للأفراد والموظفين عموما، وبذلك يكون عبء الاثبات لصاحب الشأن غير معقد لوضوح سبب القرار الإداري وللابتعاد عن التعقيد بالرقابة القضائية على الملائمة في القرار الإداري بتحققها او غيابها ولتجنب أسلوب المقارنة المعقد للقاضي الإداري عن هدف القرار واسبابه الحقيقية مرورا بمضمونه وموضوعه، فاعتماد اتجاه التسبيب للقرار الإداري لن يؤثر على مصلحة الإدارة العامة طالما وجدت بالاصل لخدمة مصالح الافراد او الموظفين بحسب الأصل ثم ولماذا هذه السرية بالأساس لإخفاء سبب اتخاذ القرار الإداري طالما كان صدوره لإحداث اثار قانونية ولخدمة المرفق العام المعني بالنشاط، ثم ان الإفصاح بشفافية عن سبب القرار الإداري سيعزز الثقة في اطار العلاقة الخدمية للنشاط الإداري بين الفراد والإدارة العامة، فما هي العلة والتبرير المقنع للسرية في هذا الجانب)، إضافة الى فوائد إيجابية كثيرة لا تسعها مساحة مقالنا المتواضع هنا، فالموضوع برأينا بحاجة ملحة لإعادة النظر من جانب مشرعنا القانوني الإداري الموقر لمعالجة هكذا حالات وهي واقعيا لن تؤثر على النشاط الإداري بل ستكون مؤيدا له والشفافية للكشف عن الإجراءات الإدارية ومصداقيتها والتي كانت ولا تزال ينادى بها الى جانب حالة النزاهة الواجبة في العمل الإداري وهي جملة من القيم الجامعة للصدق والأمانة والإخلاص في مباشرة وممارسة العمل الإداري، فكيف من الممكن تطبيق القيم السابقة التحديد من دون اختلاط الشفافية بها….. تم بعون الله وبتوفيق منه