الانتخابات المبكرة: تحديات كبيرة وفرص ضئيلة
م.د محمد كاظم هاشم
يُعَد الخوض في إقامة الانتخابات المبكرة في العراق الشغل الشاغل للنخب السياسية والمؤسسات الإعلامية ومنظمات المجتمع المدني والفعاليات الاجتماعية والأكاديمية. ويثار الكثير من الحديث والنقاش حول أمكانية وجدوى إقامتها والأهداف المرجوة منها. وكما هو معلوم أن الحاجة لإقامة انتخابات مبكرة ظهرت بعد قيام الحركة الاحتجاجية في العراق في أواخر عام 2019 ومطالبها المتمثلة: بإحداث تغيير سياسي "فوقي"، يتمثل بتغيير النظام السياسي وطريقة الحكم، كخطوة أولى في طريق إصلاح جذري "تحتي"، للواقع الاجتماعي والاقتصادي والخدمي الخ. وقد تلقت هذه المطالب صدى أوسع وقبول سياسي، بعد دعوة المرجعية الدينية لتأطير هذا التغيير، وأن يكون بشكل قانوني، ووفق الآليات الدستورية، وعبر إقامة انتخابات مبكرة، بعد تغيير القانون الانتخابي والاستعداد الجيد لها.
وبناءً على ذلك، فإن الهدف الرئيس من إقامة هذه الانتخابات، هو إحداث تغيير جوهري في النظام السياسي، وفي طريقة الحكم، تمهيداً لإحداث تغيير ينعكس بشكل إيجابي على حياة المواطن العراقي، ويخفف من معاناته، وينتشله من أزماته المتعددة وواقعه المؤلم. إلا إن المتتبع للتطورات والأحداث على الساحة العراقية، يجد أن هناك العديد من التحديات التي تواجه الانتخابات، بوصفها آلية للتغيير، وكذلك تواجه عملية التغيير ذاتها. بمعنى أخر إن الاستعداد لهذه الانتخابات لم يتم بالشكل المطلوب، وإن الفرصة والظروف لم تتهيأ بالشكل الذي يمكن معه القول إن هذه الانتخابات سوف تحقق الهدف المنشود، وإن مخرجاتها سوف تحدث نقلة نوعية في طبيعة العمل السياسي، فضلا عن إحداثها نقلة نوعية في الواقع الاجتماعي والاقتصادي للمواطن العراقي، وتتمثل أهم التحديات في:
- ضعف الوعي الانتخابي: فالمتتبع للواقع العراقي -وعلى الرغم من قوة الحركة الاحتجاجية والنقد الموجه إلى شكل وبنية السلطة السياسية – يستطيع تشخيص وبسهولة كبيرة عدم حصول تغيير نوعي في ثقافة الناخب العراقي، وليست هناك مؤشرات قوية تدل على تغيير سلوك الناخب إلى خيار الانتخاب العقلاني بدلا من خيار الولاء الاجتماعي القبلي، أو المذهبي، أو عدم التأثر بالسلطة والنفوذ والثروة. فضلا عن ضعف الوعي بأهمية المشاركة في الانتخابات وغياب الرغبة في المشاركة فيها بل إن المؤشرات تقول إن هذه الانتخابات ربما تشهد أضعف مشاركة على المستوى الشعبي.
- ضعف هيبة الدولة: وهو ما يثير الكثير من الشكوك حول قدرتها على إدارة عملية انتخابية حرة ونزيهة وشفافة، فهذا التحدي يهدد أهم حق من حقوق المواطن وهو حق إبداء الرأي والحرية الكاملة في منح الصوت الانتخابي. فضلا عن تصاعد منسوب الخصومة وعدم قبول الآخر المختلف في الرأي من أبناء الوطن الواحد، وشيوع مصطلحات التخوين والعمالة. وإذا ما علمنا إن أجواء الانتخابات التنافسية تزيد من مستوى الخصومة السياسية والاجتماعية والسلوك العدواني، فسيكون هناك خطر أمني يتمثل باحتمالية تصاعد عمليات العنف. كما سيعني إن كل طرف من طرفي الخصومة، سوف لن يرضى بنتيجة الانتخابات إذا كانت لا تصب في مصلحته، مع غياب ثقافة تقبل الفوز والخسارة، وهو ما سيبقي الباب مفتوحا لازمات أخرى.
- تأثير المال والنفوذ: وهو تحدي يرتبط بآلية الانتخاب ذاتها، والتي تعد آلية أرستقراطية لاختيار الحكام. صحيح أنها تمنح العدالة كنقطة شروع أمام جميع المنافسين، إلا أن المال والنفوذ والسلطة، تعد عوامل مؤثرة في حسم نتائج أي انتخابات. وان أصحاب الثروة والنفوذ غالبا ما يكون لهم الغلبة في التأثير في توجهات الناخبين وتكون حظوظهم اقوى في تحقيق الفوز على حساب مبدأ الكفاءة والنزاهة والخبرة السياسية والإدارية.
بناءً على ما تقدم يمكن القول إن هذه النقاط تعد من أهم التحديات التي تواجه فرص إحداث تغيير جوهري في الانتخابات القبلة.