التنظيم القانوني للاعتراض على قرارات الانتخاب في العراق بين الماضي والحاضر
م. م. علا سامح لطفي olasameh84@gmail.com
يمثل الاعتراض أو الطعن حق لا يمكن الاستغناء عنه ولا تجاوزه من بين المصطلحات القانونية في اغلب التشريعات العراقية مهما تغيرت الصيغ اللفظية القانونية له، فالعدالة الاجتماعية والقانونية تنبني على عدة أسس للوصول اليها في المجتمع ولعل من اهم أسسها هو حق الاعتراض على الأمر أو القرار والتشكيك بصحته أو إثارة الشبهات حوله، ومتى ما تثبت صحة مضمون الاعتراض ومشروعية أسبابه عندها تكون النتيجة بإلغاء القرار أو تعديله وغيره من اثار قانونية، وبغض النظر عن جوانب التنظيم الكثيرة الإدارية والوظيفية والانتخابية في قانون المفوضية العليا المستقلة للانتخابات العراقي وجدنا ضرورة تسليط الضوء على جانب مهم لضمان الحقوق والمصالح القانونية والمالية للكيانات السياسية والفردية في عملية الانتخاب وهو حق الاعتراض أو الطعن بالقرار الصادر عن مجلس المفوضين بعد إجراء الانتخابات، وما تضمنه القانون النافذ حاليا من الية خاصة للاعتراض ومراحل ومدة قانونية وشروط مع تحديد للجهات المختصة بنظر الاعتراض أو الطعن وما يتصل بذلك من فوارق بين القانون الحالي والملغي أيضا.
بداية من هذا المنطلق السابق فقد جاء قانون المفوضية العليا المستقلة للانتخابات رقم 11 لسنة 2007 (الملغي) والذي نشر سابقا في الوقائع العراقية بالعدد 4037 في 14-3-2007 وبواقع 9 مواد قانونية تضمنت جملة من الأحكام الإدارية والوظيفية والانتخابية والقانونية الواجبة الاتباع في وقت النفاذ، وما يهمنا هنا أن القانون السابق قد أعطى سلطات وصلاحيات واسعة مهمة لمجلس المفوضين تتعلق بجوانب كثيرة لا تسعها مساحة مقالنا هذا، إلا أن من بين اهم الأحكام قدر تعلق الموضوع بمدى ومجال عنوان مقالنا هو أن هذا المجلس يقع على مسؤوليته ومهامه سلطة حل المنازعات التي تنشأ عن إعداد وتنفيذ العملية الانتخابية بأنواعها على المستوى الوطني الإقليمي وفي المحافظات مع صلاحية تفويض هذه المهام إلى الإدارة الانتخابية لحظة وقوع النزاع، إلا أن القانون المعني لم يحدد طبيعة المنازعات ولا نطاقها أو بتفاصيل أوسع لفظا على سبيل التمثيل لا الحصر وهل تقع بين الجهات الإدارية والمفوضية والأفراد والكيانات السياسية وغيرهم من ذوي العلاقة القانونية الانتخابية وهذا ما يوحي بالقصور التشريعي قطعا، ويبدو أن النص القانوني جاء عاما ومطلق من دون تقييد في كل ما يتعلق بالإعداد والتنفيذ للانتخابات وهي واسعة غير ضيقة النطاق وكان من الأفضل باعتقادنا ومن ناحية قانونية متكاملة الصياغة مراعاة الصياغة اللفظية للنص توضيحا للحكم القانوني في هذا الجانب، وعن الية الاعتراضات وشروطها ومراحلها فان المتضرر من القرار الانتخابي الصادر له حق تقديم الشكوى والطعن بالقرار الانتخابي أمام مجلس المفوضين بحكم اختصاصه وصلاحياته بصراحة النصوص التنظيمية القانونية للمهام والصلاحيات، وما يصدر عن المجلس من قرارات غير نهائية لأنها بحكم القانون صراحة تكون قابلة للطعن أو الاعتراض (الاستئناف) أمام هيئة قضائية انتخابية مختصة تشكلها وتختار أو تحدد العضوية فيها من قبل محكمة التمييز وبواقع ثلاث قضاة غير متفرغين من دون أن يحدد القانون لصنفهم القضائي اذا كانوا من نفس الهيئة القضائية للمحكمة أم غيرهم، وهذه الهيئة القضائية للانتخابات تختص في نظر الطعون المرفوعة من المجلس اليها أو من المتضررين انتخابيا مباشرة، وحسنا فعل المشرع العراقي بإعطاء صلاحية نظر الطعون في المرحلة الثانية بالاستئناف حصرا للقرار الانتخابي إلى قضاة كجهة أو هيئة مستقلة حيادية يفترض عد تأثرها بالضغوط من نفس المجلس للمفوضين وكذلك توفير حق الاختيار بالاعتراض أمام المجلس السابق ا والى الهيئة القضائية للانتخابات بشكل مباشر كضمان قانوني للمتضرر اذا ما كان هنالك بعض الإشكالات أو النزاع بينهم وبين المجلس أو احد أعضائه ممن يؤثر في قرار المجلس عند نظر الطعن وعدم الاعتراف بالخطأ أو المخالفة وغيرها من حالات، وفي كل الأحوال تعتبر قرارات الهيئة قطعية لا تقبل الاعتراض عليها مجددا، وبذلك فان المشرع العراقي يرسم طريق خاص للاعتراض في هذا الجانب باستبعاد المحاكم العراقية المدنية وحتى الإدارية من نظر الطعون الخاصة بالانتخابات، وما يمكن ملاحظته في هذا الصدد أن المشرع العراقي لم يوضح ماهية الإجراءات الشكلية والموضوعية عند اتباع مراحل الاعتراض على قرارات مجلس المفوضين بشكل صريح والقرارات التي تصدر عن الهيئة القضائية المختصة أو المجلس للمفوضين بالأساس في نفس القانون المعني عدا حالة وضع الإجراءات من جانب الهيئة القضائية التمييزية للطعن أمامها وعلى سبيل الاستثناء من قانون المرافعات المدنية العراقي لسنة 1969وغيره وبما لا يتعارض مع نصوص وأحكام هذا القانون أيضا، وكان الأفضل برأينا وضع تحديد للأوضاع السابقة لضمان الشفافية والعدالة وسيادة القانون، ونضيف أيضا لما سبق وبمنظورنا القانوني كان الأفضل على الأقل إشراك المحاكم المدنية في هذا النوع من القضايا لأغراض التعويض مثلا وغيرها من أوضاع قانونية، ثم يستمر نفس هذا القانون بتنظيم الية الاعتراض على قرارات مجلس المفوضين في خلال مدة لا تقل عن ثلاثة أيام من اليوم التالي لنشر القرارات في الصحف اليومية وباللغتين العربية والكردية على أن تلزم الهيئة القضائية التمييزية المختصة قانونا بحسم وحل موضوع الاعتراض والنزاع خلال مدة عشرة أيام فقط من دون مراعاة التشريع هنا لحالات التأخير في تقديم الاعتراض في المرحلة الثانية اذا تحقق الاعتراض بهذه الآلية استئنافا والتي لم يوضح فيها المشرع العراقي اذا ما كانت أياما عمل أم من تأريخ استلام الاعتراض بغض النظر عن العطل والتأخير وكان الأفضل باعتقادنا مراعاة هذه الجوانب لزيادة الضمانات القانونية للمعترضين، أخيرا في اطار هذا القانون نرى إن عدد أعضاء الهيئة القضائية للانتخابات غير المتفرغين نظرا للتأقيت في أعمالهم في المجال الانتخابي هو قليل جدا مقارنة بالأعباء المهنية ولاحتمالية كثرة وتراكم الطعون الواجب حلها في مدة تكاد تكون غير كافية لدراسة وبحث النزاع وأسبابه وأهدافه وغيرها ولتجب حالات التأثير على واحد أو اكثر منهم مما يؤثر في اتخاذ القرار المناسب لحل النزاع.
واستكمالا لما تقدم من أحكام في إطار تطوير التشريع العراقي ومواكبة المتغيرات السياسية والاجتماعية لفي هذا الجانب تحديدا فقد صدر قانون المفوضية العليا المستقلة للانتخابات رقم 31 لسنة 2019 النافذ حاليا والمنشور في الوقائع العراقية بالعدد 4569 في 30-12-2019 وبواقع 28 مادة قانونية مقارنة بالقانون الملغي، وجاء هذا القانون كما هو الحال لما سبقه والغي بموجبه بعصبة من الأحكام التي قد يتشابه بعضها مع الأوضاع القانونية السالفة الذكر في أعلاه ويختلف معها في جوانب أخرى على نحو يكاد يوصف بالدقة والزيادة في الضمانات القانونية للمعترضين، وهذا المحور الأخير هو الذي يمثل التطور التشريعي والتجديد بين الماضي والحاضر لاطار الانتخابات العراقية وعمل المفوضية العليا المستقلة للانتخابات في وقتنا الحاضر، وكما هو الحال في القانون السابق فقد أعطى القانون الجديد النافذ حاليا وعلى نطاق واسع صلاحيات وسلطات مجددا لمجلس المفوضين ونخص منها حل النزاعات وتخويل هذه الصلاحية إلى الإدارة الانتخابية وبنفس الوضع السابق مع صلاحيات البت بالشكاوى والطعون عن الانتخابات وان قراراته قابلة للطعن أمام الهيئة القضائية للانتخابات مع إحالة القضايا إلى الجهات المختصة جزائيا في احول معينة، فلم يأتي المشرع العراقي بجديد لهذا الجانب ولا تغيير، إلا أن ما حصل من تطور تشريعي يمكن ملاحظته وبشكل جلي أن القضاء الأعلى هو الجهة التي تتولى مهمة تشكيل الهيئة القضائية المختصة للانتخابات ومن ثلاث قضاة غير متفرغين وان يكونوا من الصنف القضائي الأول حصرا، وتنظر هذه الهيئة التي تكون قراراتها نهائية وقطعية وكما مر بنا سابقا في الطعون التي يتقدم بها المتضرر مباشرة اليها أو المرفوعة من مجلس المفوضين نفسه ومن دون الإشارة إلى مصطلح الاستئناف وغيابه تماما في هذه المرحلة تحديدا والتي تعتبر ثانية وليست الأولى أمام المجلس إن جرت العادة والآلية على هذا النحو، ويمنع القانون الطعن بقرارات المجلس لما يخص العملية الانتخابية حصرا أمام جهات أخرى غير الهيئة القضائية للانتخابات، وهذا اعتراف صريح من المشرع العراقي بإمكانية الطعن في أحوال ثانية أمام سلطات مختصة أو قد تكون المحاكم لما لا يتصل بالعملية الانتخابية إلا أن التشريع لم يتوسع ولم يوضح تفاصيل ذلك تمثيلا على الأقل بنصوص صريحة وكان الأفضل باعتقادنا مراعاة هذا الجانب ولو بشكل مقتضب، وفي هذا الجانب ينظم التشريع الية للاعتراض تكاد تكون مختلفة أيضا في الصياغات اللفظية وغياب أجزاء من الأحكام لما ورد في القانون الملغي الموضح سابقا وكان الأجدر برأينا مراعاتها لتوخي الدقة والشفافية في التطبيق ولزيادة الضمانات القانونية للمعترضين، فالاعتراض أو الطعن يقدم من صاحب الشأن أو الحزب السياسي يكون خلال ثلاثة أيام من اليوم التالي لنشر القرارات الانتخابية ومن دون اشتراط للغة ولا في الصحف اليومية ويقدم إلى المكاتب الوطنية أو الانتخابية ويجوز تقديمه مباشرة إلى الهيئة القضائية للانتخابات التي عليها الزام بحل ونظر الاعتراض خلال عشرة أيام عمل تحديدا بعد ورود الإجابة من مجلس المفوضية عن استفسارات وأسئلة نفي الهيئة السابقة، ويقع على عاتق المجلس الإجابة خلال سبعة أيام عمل من تاريخ وصول الاستفسار وهو ما لم يرد حكمه في القانون السابق وغيره من أوضاع أخرى متباينة بين التشريعين الملغي والنافذ كان الأفضل بمنظورنا القانوني الاهتمام بها، وكما في السابق فان التشريع الجديد لم يتطرق إلى الإجراءات الاعتراضية بشكل دقيق وصريح وغيرها من حالات نتحفظ على ضرورة مراعاتها من دون الاعتراض من جانبنا على هدف واتجاه المشرع من إغفالها ربما أو بقصد التوسع بحكمها ومنح السلطة التقديرية للجهات المختصة المعنية في ممارسة النشاط وحل النزاعات بدل التقييد الحرفي في النص القانوني، كما أن كلا التشريعين جاء خاليا من المواد والأحكام التوضيحية للمفردات أو المصطلحات الواردة فيهما وفي ذات الوقت هنالك غياب تام لإلزامية إصدار التعليمات المتعلقة بتسهيل تنفيذ هذه النصوص القانونية للقانونين الملغي والنافذ عموما وهذا ما لم نجد مبرر له أسوة بالقوانين والتشريعات العراقية وهو باعتقادنا إغفال تشريعي يفضل مراعاته في الحاضر والمستقبل…ومن الله تعالى التوفيق لخدمة العلم والمعرفة.