( الرؤية القانونية لتطعيمات الفايروس التاجي "COVID 19 )
م.م محمود عادل محمود
منذ اليوم الأول لإعلان الفايروس التاجي""COVID 19 كوباء عالمي، وشركات التصنيع – المختصة بالأدوية – في سباق محموم للوصول إلى علاج أو في الاقل تطعيم يسهم في الحد من انتشار هذا الوباء؛ إذ يمكن لأيّ فرصة تصنيع ناجعة – علاج أو لقاح – أن تحقق ارباحاً طائلة قصيرة المدى للشركة صاحبة الاختصاص، فضلاً عن الشهرة العالمية التي يمكن أن تتحقق جراء هذا الأمر.
وقد توصلت مؤخراً بعض شركات تصنيع الأدوية إلى تطعيمات/ لقاحات من شأنها أن تمنع إصابة من يتلقاها بالفايروس التاجي "COVID 19"، في خطوة من شأنها الحد من تفاقم انتشار هذا المرض.
ولا يمكن الانكار، أنَّ المخاوف تزداد لدى الافراد من الاثار الجانبية التي يمكن أن تتسبَّب بها التطعيمات المذكورة آنفاً، والتي ترجح – المخاوف – أنَّ جسامة الضرر اللاحق بهم من جراء تطعيم الفايروس التاجي يفوق الضرر الذي يمكن يصيبهم جراء الاصابة به بصورة فعلية.
ويثار السؤال في هذا الصدد، عن مدى إمكانية إعفاء شركات تصنيع الادوية من المسؤولية المدنية في حال تسبَّبت تطعيمات الفايروس التاجي "COVID 19" بأضرار جانبية للافراد المتلقين لها؟ وهل يمكن الاستعانة في هذا المجال، بدفع عدم امكانية التنبؤ بالمخاطر التي يكتشفها التطور العلمي؟
استنبط المشرع الأوربي في التوجيه الصادر سنة (1985) مخاطر التطور العلمي، كسبب من أسباب دفع المسؤولية المدنية عن المنتجات المعيبة، إذ أشار – المشرع – في المادة (7/ه) من هذا التوجيه إلى أنَّ المنتِج لا يتحمل المسؤولية عن فعل المنتجات المعيبة في حال اثبت أن حالة المعرفة العلمية والتقنية وقت وضع المنتَج في التداول، لم تكن تسمح اكتشاف العيب الموجود فيه.
ومطلق النص المذكور آنفاً، يشير إلى أنَّ إمكانية دفع المسؤولية المدنية الناشئة عن العيب الكامن في تطعيمات "COVID 19"، بواسطة عدم التنبؤ بالمخاطر التي يكتشفها التطور العلمي، غير أنَّ المطالع لاراء الفقه والاجتهاد سواء في فرنسا أم في بريطانيا، يستشف أنَّ هذا الدفع، يستلزم لامكانية تفعيله،عدَّة شروط وهي:
1- الاستحالة المطلقة للعلم في كشف الاثار الجانبية للمنتَج محل المسؤولية.
2- اكتشاف عيب المنتَج في وقت لاحق على طرحه في التداول.
3- قيام المنتِج بكافة الاجراءات التي من شأنها منع حصول الضرر قبل وقوعه.
وبتسليط الشروط الوارد ذكرها آنفاً على التطعيمات محل البحث، نجد أنَّه بالامكان إعمال دفع "عدم امكانية التنبؤ بالمخاطر التي يكتشفها التطور العلمي" إذا أثبت الشركة المنتجة لهذه التطعيمات توافر جميع الشروط المذكورة مسبقاً، إذ يجب عليها أولاً اثبات استحالة العلم المطلقة في جميع العالم بكشف الاثار الجانبية لهذه التطعيمات، فضلاً عن اثباتها اكتشاف العيب في وقت لاحق لطرح المنتَج في الاسواق، وصولاً إلى اثبات قيامها بجميع الاجراءات التي من شانها منع حصول الضرر قبل وقوعه، والتي يتمثل جزء منها في اجراء التجارب السريرية على اشخاص متدربين، واخذ الوقت الكافي – وفقاً للقواعد الفنية المعمول بها في حق الاختصاص – لانتظار ظهور الأعراض الجانبية، فإذا اخفقت في اثبات أيٍ منها، فإنها تكون ملزمة بتعويض ايّ شخص تضرر جراء هذا التطعيم. ولعل خير مثال يمكن ذكره في هذا المجال، ما قضت به محكمة النقض الفرنسية بخصوص مسؤولية شركة (Sanofi Pasteur) المنتِجة للقاح التهاب الكبد الوبائي فئة (B)، عن كافة الاضرار التي أصابت المدعية والتي تمثلت بأصابتها بمرض التصبب المتعدّد، إذ أنها لم تقبل الدفع المقدَّم من قبل هذه الشركة المتضمن عدم إمكانية التنبؤ بالمخاطر التي يكتشفها التطور العلمي، بعدما ثبت لها وجود عدَّة دراسات تشير إلى إمكانية وجود صلة بين التطعيم ومرض التصلب المتعدد .