مقالة بعنوان (الكتمان الخادع في مجال القانون المدني العراقي)
لكاتبه: المدرس المساعد محمود عادل محمود
اذا كان التدليس أو الخداع يقصد به: مناورات احتيالية تهدف إلى ايقاع المتعاقد الآخر بالغلط بشكل يدفعه إلى ابرام العقد، فهل يعد الكتمان وحده طريقاً احتيالياً في مجال القانون المدني العراقي؟
على مستوى القواعد التقليدية، لم يعالج المشرع العراقي موضوع الكتمان بشكل واسع، إنما فقط اشار في الفقرة (2) من المادة (121) من القانون المدني رقم (40) لسنة (1951) النافذ إلى أنه: "يعتبر تغريراً عدم البيان في عقود الامانة التي يجب التحرز فيها عن الشبهة بالبيان كالخيانة في المرابحة والتولية والاشراك والوصيفة".
من خلال مطالعة وتحليل ما ورد في النص الذكور انفاً، يفهم أن المشرع العراقي قد جعل من التغرير طريقاً احتيالياً في عقود الامانة التي فيها يجب التحرز عن الشبهة بالبيان، وذكر على سبيل المثال لا الحصر بعض انواع العقود التي يعتبر فيها الكتمان تغريراً وهي: عقود المرابحة والتولية والاشراك والوصيفة، بحيث يشكل الكتمان طريقاً احتيالياً في مجال ابرام العقود متى ما كان متعلقاً بأمور جوهرية لها اهميتها في التعاقد.
بيد أن ما تجب ملاحظته في هذا الصدد، أن الكتمان وإن شكل طريقاً احتيالياً، فإنه لا يؤثر على صحة العقد مالم يقترن بالغبن الفاحش؛ وذلك سنداً للفقرة (1) من المادة (121) من القانون المدني التي نصت على أنه: "اذا غرر احد المتعاقدين بالآخر وتحقق ان في العقد غبنا فاحشا كان العقد موقوفا على اجازة العاقد المغبون..".
وترتيباً على ما سبق ذكره، الكتمان في مجال القانون المدني العراقي لا يشكل طريقاً احتيالياً الا في حدود ضيقة، فإذا حصل هذا الكتمان في تلك الحدود، عد طريقاً احتيالياً من شأنه اعطاء المتعاقد الذي وقع به طلب التعويض وفقاً لقواعد المسئولية المدنية عن العمل غير المشروع، وذلك سنداً للمادة (123) من القانون المدني التي نصت على أنه: "يرجع العاقد المغرور بالتعويض اذا لم يصبه الا غبن يسير..".
أما على مستوى القواعد المستحدثة، فقد اشار المشرع العراقي في قانون حماية حق المستهلك رقم (1) لسنة (2010) إلى منع التدليس، اذ نص في الفقرة (1) من المادة (9) منه على أنَّه: "يحظر على المجهز والمُعلن ما يأتي: أوَّلاً: ممارسة الغش، والتضليل، والتدليس، وإخفاء حقيقة المواد المكوِّنة للمواصفات المُعتمدة في السِّلع والخدمات كافة".
من مطالعة وتحليل النص المتقدم، يفهم أن المشرع العراقي منع التدليس بشكل عام (التدليس الايجابي والسلبي) في اطار عقود الاستهلاك التي تبرم بين كل ممتهن ومستهلك، بشكل يؤدي إلى قيام المسؤولية التقصيرية بحق كل من يخالف هذا النص تجاه المتضرر؛ وذلك على اعتبار أن القانون يشكل احد مصادر الالتزام.
وعلى الرغم من اهمية المعالجة الواردة في قانون حماية المستهلك العراقي النافذ، الا أنها لم تأتِ بجديد، فالنص الذي سبق ذكره لم يكن سوى ترديد لما ورد في القواعد العامة الواردة في القانون المدني التي سبق ذكرها؛ ودليل ذلك اتحاد النتيجة والتي هي قيام المسئولية التقصيرية عن التدليس في حالة حصوله باعتباره عملاً غير مشروع.
وانسجاماً مع ما سبق ذكره، نعتقد أن المشرع العراقي جانب الصواب في هذا الفرض، اذ كان الاجدى به معالجة موضوع التدليس أو الخداع في قانون حماية حق المستهلك بصورة يعدل معها موقف القانون المدني النافذ لا أن يردد ما سبق ذكره، وذلك من خلال النص على جعل التدليس سبباً لا يقاف العقد على اجازة من وقع به أن اراد اجازة وإن اراد ابطله.
وللأسباب المتقدمة، ومن هذا المقام، ندعو المشرع العراقي اذا ما قرر تعديل القانون المدني رقم (40) لسنة (1951) أو قانون حماية حق المستهلك رقم (1) لسنة (2010) إلى اعتبار التغرير أو التدليس وحده عيباً مستقلاً من عيوب الارادة، والنص على اعتبار الكتمان طريقاً احتيالياً متى ما شكل هذا الكتمان الباعث الدافع للمتعاقد على ابرام العقد.