المواجهة القانونية لظاهرة التخلي عن الأطفال حديثي الولادة
م. صفاء حسن نصيف
Safaa_hassan@uodiyala.edu.iq
يأتي في مقدمة الحقوق التي تضمنتها الشريعة الإسلامية والتشريعات الوضعية سواء على المستوى الوطني او الدولي حق الطفل في الحياة، فضلاً عن حقه في ان يتم كفالته طيلة مدة صِغرهِ ورعايته وحمايته من كل ما يمكن أن يُلحق الأذى به، وفي ذات السياق حاول المشرع العراقي تحسين واقع الطفولة من خلال مصادقته على اتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الطفل لسنة 1995 وسَّنِ جملة التشريعات ذات الصلة كقانون الرعاية الاجتماعية رقم 126 لسنة 1980 وقانون نظام دور الدولة رقم 5 لسنة 1986 وغيرها بالإضافة الى قانون العقوبات العراقي رقم 11 لسنة 1969، وعلى الرغم من هذه الجهود لا تزال شريحة الأطفال تتعرض الى عدة اعتداءات خطيرة بلغت ذروتها في تنامي ظاهرة التخلي عن الأطفال حديثي الولادة مؤخراً بشكل كبير قد لا تغطي وسائل الاعلام الا الجزء اليسير منه، فعلى الرغم ن العقوبات الرادعة التي حددها المشرع العراقي في المادة (383/2) من قانون العقوبات العراقي والتي قضت: (…. 2. تكون العقوبة الحبس إذا وقعت الجريمة بطريق ترك الطفل او العاجز في مكان خال من الناس او وقعت من قبل أحد من اصول المجنى عليه او ممن هو مكلف بحفظه او رعايته. فاذا نشأ عن ذلك عاهة بالمجنى عليه او موته دون ان يكون الجاني قاصداً ذلك عوقب بالعقوبة المقررة لجريمة الضرب المفضي الى العاهة او الى الموت بحسب الاحوال….).
فالملاحظ على النص المتقدم انه على الرغم من تشديد المشرع العراقي العقوبة على مثل الجرائم التي يمكن ان تصل الى عقوبة السجن بحسب ما إذا افضى الترك الى موت او الى عاهة مستديمة الا أننا لا نزال نشهد مثل هذه الحالات بين الفينة والأخرى ما يستدعي إعادة النظر في الإجراءات القانونية المتخذة بهذا الخصوص والوقوف على مدى نجاعتها في الحد من هذه الظاهرة، والحقيقة ان معالجة مثل هذه الظاهرة تقتضي منا البحث في أسباب حدوثها وتحديد طبيعة هذه الأسباب اذا تتوقف فعالية العقوبات المقررة وتحقيقها للغاية المقصودة منها الى حد ما على طبيعة هذه الأسباب، فقد لا تحقق العقوبات غايتها بفرض العقوبات السالبة للحرية او العقوبات المالية اذا كانت الأسباب الدافعة الى التخلي عن الأطفال اقتصادية، بل على العكس قد تفاقم من سوء الأوضاع المعيشية للأسرة بشكل عام مما يهدد باقي الابناء بالضياع بحبس الام او الأب او تكبيلهم بغرامة مالية قد يستحيل تحصيلها من مثل هؤلاء، الامر الذي يتطلب منا البحث عن بدائل للعقوبة كالإحالة على شبكة الرعاية الاجتماعية التي ينبغي ان لا يقتصر دورها على تقديم المعونات المالية بل يفترض بها العمل على تأسيس معامل او مصانع إنتاجية حكومية ولو كانت بسيطة توفر فرص عمل لهؤلاء وتكفل لهم مردوداً مالياً .
وقد تكون الأسباب الدافعة الى تنامي هذه الجريمة ذات طابع اجتماعي كالنهوة العشائرية او الفصل العشائري في بعض الحالات التي تدفع الام الى التخلص من مولودها نكاية بأبيه او تخلصاً من العلاقة الزوجية برمتها، فضلا عن دافع التخلص من العار إذا كان الطفل قد نتج عن علاقة غير مشروعة خارج إطار الزوجية التي شمل المشرع العراقي الام في هذه الحالة بعذر مخفف للعقوبة وهو توجه يجانب الصواب وكان الاجدر بالمشرع ان يوفر الحماية للقانونية للطرف الأضعف وهو الطفل الضحية ويشدد عقوبة الام في مثل هذه الجرائم، ولسنا هنا بصدد القول بإعفاء الجناة من العقاب وتبرير افعالهم اجتماعياً، ولكن نجد من الضروري ان يرافق ذلك تفعيل القوانين الخاصة بحماية حقوق المرأة ومنع مثل هذه الظواهر الاجتماعية، ناهيك عن حالات الطلاق التي تشهد زيادة مهولة الامر الذي الى ضياع الأُسر وتفككها وإهمال الأطفال صحياً واجتماعياً وهو ما لا يقل خطورةً عن ترك الاطفال والتخلي عنهم.
ومن الناحية القانونية فغالباً ما نصادف هذه الحالات ولكن من دون التعرف على هوية الجاني فضلاً عن معاقبته او حتى تحديد الأسباب الدافعة الى هذه الجرائم الامر الذي أدى الحد من وظيفة الردع العام للعقوبة واستسهال الافراد بالجريمة اذ أمنوا عدم القبض عليهم ومن ثم معاقبتهم طالما بقيت هويتهم مجهولة، مما يتطلب اتخاذ الإجراءات القانونية الكفيلة برصد هذه الحالات والتوصل الى تحديد هوية الجاني، وفي اعتقادنا قد يَّسهل اعتماد البطاقة الصحية للأفراد هذه المهمة وجعلها إلزامية لكل أسرة بدءً بالمقبلين على الزواج بحيث تتضمن البطاقة جملة من البيانات يأتي في مقدمتها تحليل الحمض النووي وغيرها من البيانات الأساسية اذ يمكن من خلالها تحديد ذوي الأطفال الذين تم التخلي عنهم وبالتالي يكون الجناة بغض النظر عن صفاتهم تحت طائلة العقوبة واحتمال تشديدها اذا نمت الجريمة عن اهمال جسيم بالواجبات المفروضة عليهم قانوناً او اتفاقاً او عرفاَ .