(تمييز القرارات الإدارية والاستئنافية للادارة الضريبية في قانون ضريبة الدخل العراقي)
ان المشرع العراقي الضريبي وتحديدا في قانون ضريبة الدخل العراقي رقم 113 لسنة 1982 المعدل، يعطي مزيدا من الضمانات القانونية لحماية المصالح المالية والقانونية لدافع الضريبة (الشخص الطبيعي والشخص المعنوي) وايضا لمصلحة الدولة المالية التي تمثلها الجهات الادارية الضريبية والهيئة العامة للضرائب، ولعل ابرز هذه الضمانات اضافة لغيرها في المراحل السابقة، هو أعطاء الحق بالاعتراض تمييزا للقرارات الادارية وحتى القرارات القضائية التي تصدر عن لجان الاستئناف، وهذا الحق يثبت قانونا لطرفي النزاع بتقديم التمييز امام هيئة التمييز، وهي هيئة شبه قضائية ولها صلاحيات وواجبات قضائية ولكنها ليست من المحاكم المستقلة في العراق كما هو الوضع القانوني للمحاكم الادارية او المدنية وغيرها، وهيئة التمييز ينطبق عليها هذا الوصف كما هو الوضع القانوني بالنسبة الى لجنة الاستئناف في الهيئة العامة للضرائب.
وهيئة التمييز المشار اليها اعلاه تتشكل عادة من عدة اعضاء بقرار من وزير المالية، من قاضي واعضاء اخرون لهم اختصاصات مالية وغيرها، وينشر هذا قرار العضوية والتشكيل في الجريدة الرسمية العراقية، مع تحديد الوزير لمكافات واجور اعضاء الهيئة التمييزية وحتى اعضاء اللجان الاستئنافية بتعليمات تصدر من الوزارة، هذه الاوضاع القانونية السابقة وردت بنصوص قانونية صريحة في نفس القانون السايق.
ومن خلال الاطلاع على نصوص التشريع الضريبي على الدخل الحدد سابقا والتي تنظم الية تمييز القرارات الادارية والاستئنافية في مجال الضريبة، نلاحظ ان الشروط التي تتعلق بالاعتراض امام هيئة التمييز برأينا لم تحدد بالشكل الواضح والصريح وبصياغة قانونية تدل على اهمية هذه المرحلة من الاعتراض امام الجهات المختصة مقارنة بالمراحل السابقة للاعتراض الاداري والاعتراض الاستئنافي، فالشروط غامضة في كثير من جوانبها، ولعل اهم مواطن الضعف والقصور في النص التشريعي تتلخص بان المشرع الضريبي لم يحدد محتوى طلب الاعتراض التمييزي والشكلية القانونية المطلوبة لقبول الاعتراض في هذه المرحلة، ولم يحدد التشريع ايضا مكان تقديم الطلب بشكل واضح وصريح، وغير ذلك، ونعتقد بان شروط الاعتراض التمييزي لا تختلف كثيرا عن شروط الاعتراض امام لجنة الاستئناف وهيئة الادارة الضريبة، حيث ان دافع الضريبة يجب عليه تقديم طلب التمييز الى هيئة الضريبة او الى الهيئة العامة للضرائب، ولكن في هذه المرحلة فان الطلب يتخذ صيغة دعوى قضائية تمييزية، مع ملاحظة ان النص القانوني لم يحدد حرفيا هذا الوضع القانوني ضمن النصوص القانونية التي تنظم الية الاعتراض التمييزي في المادة (40).
وفي نفس السياق، يجب ان يحدد اطراف النزاع الضريبي اسباب وطلبات التمييز، مع تقديم الوثائق التي تؤيد الاعتراض امام هيئة التمييز، وان الاختلاف في الشروط يبدو واضحا في محتوى النصوص التشريعية والذي يتركز في شرط تقديم الاعتراض التمييزي لطرفي النزاع خلال مدة (15) يوم من تاريخ التبليغ برفض الاعتراض الاستئنافي، ونضيف ايضا ان صدور القرار الاستئنافي يعتبر تبليغ رسمي بسريان مدة الاعتراض التمييزي، ولا يجوز لاطراف الاعتراض الادعاء بعدم التبليغ نظرا لعدم وجود ورقة تبليغ مستقلة لسريان مدة الاعتراض التمييزي، حيث ان صدور القرار الاستئنافي بالرفض مثلا لاعتراض احد اطراف النزاع او كان قرار لجنة الاستئناف متعارضا مع مصلحة احد اطراف النزاع، فان ذلك يعتبر تبليغ رسمي لبداية مدة الاعتراض التمييزي من دون حاجة لصدور تبليغ جديد ومستقل، وهذا الحكم القانوني يثبت في مضمون بعض القرارات التمييزية، كذلك ان المعترض يجب عليه دفع رسم قيمته 1% من قيمة الضريبة، ومن الطبيعي ان الاعتراض التمييزي هو حق لكلا طرفي العلاقة القانونية الضريبية وهما المكلف وهيئة الضريبة، والجهة الادارية الضريبية عادة اذا كانت هي في المركز القانوني كمعترض، فهي معفية من الرسم، حيث ان النص القانوني الضريبي يشير بصراحة الى ان دفع الرسم يكون من المكلف المعترض فقط ولم يتطرق الى الزام هيئة الضريبة بالدفع، وان الاعتراض التمييزي لا يجوز قبوله اذا لم يقدم اولا الى هيئة الضريبة واستحصال موافقتها على الاعتراض، وان يكون الاعتراض التمييزي مقدم خلال مدته القانونية وهذا ما تؤكده التطبيقات العملية للقرارات الاستئنافية والتمييزية.
وجدير بالذكر في هذا المجال ضرورة تحديد اختصاصات وقرارات هيئة التمييز بعد نظر النزاع، فصلاحياتها واسعة تتلخص بنظر القضايا التي قيمة الضريبة فيها اكثر من (10000) دينار عراقي، اما ماكان دون ذلك فهو من اختصاص لجان الاستئناف والتي تكون القرارات فيها نهائية لا يجوز الاعتراض عليها امام الجهات الاخرى، كما ان الاعتراض التمييزي هو دعوى قضائية ضريبية تدقق من خلالها هيئة التمييز جميع الاحكام والقرارات الصادرة عن لجنة الاستئناف اضافة الى تدقيق واعادة النظر بقرارات هيئة الضريبة وكيفية تقدير الدخل والضريبة وجميع الوثائق وادلة الاثبات التي يستند اليها طرفي النزاع للوصول الى حقيقة الدخل واثبات الحق المتنازع عليه، وبالنتيجة تصدر قرارات تمييزية استنادا لقناعة هيئة التمييز مثل الموافقة على الاعتراض والغاء القرار الضريبي او الاستئنافي او تؤيد هيئة التمييز القرار الضريبي وقرار لجنة الاستئناف لانه موافق للقانون وترفض الاعتراض او قد تعدل بالقرار الضريبي على اساس الطلبات التي يحددها طرفي النزاع اذا كانت منسجمة مع القانون، ايضا ان قرارات هيئة التمييز بحكم النص التشريعي غير قابلة للاعتراض وقطعية أو نهائية، وهذا الحكم يختلف فيه موضوع الاعتراض في القاانون الضريبي عن التشريعات الاخرى غير الضريبية التي تنظم الية الاعتراض والطعن بالاحكام والقرارات، حيث توجد هناك طرق اخرى للاعتراض بعد صدور القرار التمييزي مثل طريقة تصحيح القرار التمييزي وغيرها.
ويلاحظ ان القانون الضريبي على الدخل لم يسمح بجواز تقديم الاعتراض التمييزي بعد مضي مدة (15) يوم الاساسية للاعتراض التمييزي، وهذا ما يفهم من مضمون النصوص القانونية الضريبية التي تنظم مرحلة الاعتراض التمييزي، حيث ان القانون لم يتطرق الى حكم هذه الحالة اصلا بنص صريح وهذا ما يدل على عدم الجواز بتاخير تقديم الاعتراض، ونحن نعتقد كان من الافضل السماح بالتاخير في تقديم الاعتراض التمييزي بعد مدة (15) يوم ولاسباب واعذار مشروعة مثل السفر او حالة المرض او الظرف الطارئ وكما هو الحال بجواز تقديم الاعتراض بعد مدة (21) يوم في المراحل السابقة (الاعتراض الاداري والاعتراض القضائي الاستئنافي) لتحقيق العدالة الضريبة والملائمة في اجراءات فرض الضريبة ولتحقيق التوازن باحكام النصوص القانونية الضريبية التي تنظم الية الاعتراض في جميع المراحل.
اخيرا، ان القانون الضريبي على الدخل لم يذكر صراحة حكم دفع مبلغ الضريبة كاملا او الاستمرار بدفع الاقساط كشرط لقبول الاعتراض التمييزي بالمقارنة مع المراحل الاعتراضية السابقة، ولم يحدد مدى تاثير غياب هذه الشروط على حل النزاع او نظر النزاع من جانب هيئة التمييز، ونحن نعتقد ان هذا الشرط يجب ان يكون موجود ومتوفر قياسا لشروط قبول الاعتراض الاداري امام هيئة الضريبة او حتى في مرحلة الاعتراض القضائي امام لجنة الاستئناف، ايضا ان هيئة التمييز لا وجود لها او لفروعها في محافظات العراق وتتركز في صلاحياتها ومباشرة وظائفها القضائية في العاصمة بغداد فقط وترتيبها ضمن الهيكل الاداري للهيئة الادارية العامة للضرائب.
م.م. علا سامح لطفي