رؤية في الالتزامات المالية للمستفيدين في قانون الضمان الصحي العراقي
م. د حيدر نجيب أحمد فائق
لعل من بين اهم الاتجاهات التشريعية في العراق والذي تأطر مؤخرا هو تشريع قانون الضمان الصحي رقم 22 لسنة 2020 والمنشور في الوقائع العراقية بالعدد 4614 في 1/2/2020 والذي سيكون نافذا ويعمل به بعد مضي 8 اشهر من تأريخ النشر بحكم صراحة النص القانوني للتشريع المعني بمقالنا المتواضع هذا، الا ان الاطلاع على نصوص القانون السابق وصفه انفا تشير الى جملة من الالتزامات والضمانات المالية الماسة بأطراف العلاقة القانونية الصحية والتي تتسع في مداها لما يتصل بحقوق الانسان في العراق سواء ان كان المشمول بسريان القانون والدفع للضمان الصحي هو مواطنا عاديا او موظفا او كان معفيا او غيره وما يترتب على توفير خدمات الضمان الصحي من تعديلات وتغييرات ادارية ومؤسساتية وكوادر وظيفية وتدريبات مهنية واشراف وتفعيل لدور الرقابة في هذا الجانب الصحي، فاتجاه المشرع العراقي في تشريع هكذا قانون هو اتجاه ايجابي ومحمود قطعا برأينا، ولكن في كل الاحوال لا يخلو هذا الاتجاه من بعض القصور والاخفاقات التشريعية او التطبيقية لحرفية التشريع وربما التعارض والتناقض بين الجانب النظري للقانون والواقعي اجتماعيا وكذلك وظيفيا من الناحية الادارية، فبغض النظر عن التنظيم القانوني الاداري لتشكيلات وهيئات الجهة المعنية بالضمان الصحي وتطبيق القانون فان ما يهمنا هنا ما جاء به القانون من التزامات على اطراف العلاقة وما لهم من حقوق وضمانات ومدى الفائدة الايجابية منها وما قد يكون ذات اثار سلبية لدى فئات اجتماعية مشمولة بسريان احكام القانون، فالموضوع الاساسي وما يستحق النقاش المتواضع هنا يتركز بالدرجة الاساس على قيمة الاشتراكات النقدية التي يجب دفعها اجباريا او اختياريا بحكم الالزام والتخيير التشريعي ومدى الانتفاع او واقعية الخدمة المقدمة في الجانب الصحي وما يتخلله هذا الجانب من الزام على مقدمي الخدمات الصحية وما ينصرف الى العقاب عند نشوء المسؤولية التقصيرية من الفئة الاخيرة تحديدا.
بداية يجب الاشارة الى ان احكام هذا القانون تسري على العراقيين المقيمين داخل العراق وكذلك الاجانب المقيمين فيه او الزائرين وفقا لشروط محدد في نفس القانون، ويبدأ تسجيل المواطنين (موظف، فرد عادي، متقاعد وغيرهم) في هيئة الضمان الصحي بعد ان تشكل مباشرة والتي يجب ان تتشكل في خلال 6 اشهر من نفاذ القانون، والموظف في ذلك غير مخير بالدفع بل هو ملزم بالتسجيل على خلاف بقية الفئات التي تكون مخيرة بهذا الاتجاه ومنهم المتقاعدين والنقابات والاتحادات والشركات وارباب العمل والمواطنين العاديين وعوائلهم بشكل منفرد، هذا وقد حدد القانون بدلات الاشتراك ونسب التغطية والتي تجب دفعها من الموظفين والمتقاعدين ومن يقابلهم في القطاع الخاص وحتى المواطنين ولمرة واحدة، والموظفين عادة هم مجبرين عليها غير مخيرين بصورة استقطاعات من الرواتب الشهرية وبمبالغ نقدية تتراوح من (100000-50000-25000-10000) دينار عراقي وتتوزع هذه المبالغ عادة بحسب الدرجة الوظيفية ابتداء من الدرجات العليا والخاصة ومن يقابلهم في القطاع الخاص ونزولا حتى اصغر درجة وظيفية وما يقابلها في القطاع الخاص، اما المواطنون غير المشمولين بالفئات السابقة فبدل اشتراكهم للضمان الصحي يكون (10000) دينار عراقي، وحسنا فعل المشرع العراقي في اعفاء فئات غير قليلة لأسباب صحية واجتماعية وانسانية ايضا مختلفة حددها القانون نفسه ومن كان مشمول بنظام الرعاية الاجتماعية من دفع الضمان الصحي والتي لامجال لتفصيلها كتابة ولفظا لقلة المساحة الساندة لمقالنا هذا مع شمولهم بالخدمات الصحية وهو ما يفهم من مضمون النص القانوني لان الإعفاء من دفع الاشتراكات لا يعني قطعا الحرمان التشريعي من توفير الخدمات الصحية، وجدير بالذكر ان ما يجب على الموظف دفعه او من يقابلهم في القطاع الخاص والمتقاعدين كقسط شهري من الراتب الكلي لا الاسمي يجب دفعه من المسجلين المشتركين في الضمان الصحي هي مبالغ ستكون مختلفة وتتوزع ايضا بحسب الدرجات الوظيفية ابتداء من الدرجات الخاصة والعليا ومن يقابلهم في القطاع الخاص ونزولا حتى اصغر موظف دون غيرهم من المعفيين قانونا بحكم النص القانوني صراحة وهي اقساط بنسب تتراوح من (2.5% و 1%)، ويشمل البدل المدفوع من رب الاسرة كقسط شهري للضمان الاجتماعي لأفراد العائلة فهم معفيين من الدفع ومنهم الزوج والزوجة والاولاد لغاية 21 سنة او لمن عمره 24 سنة وكان مستمرا بالدراسة والبنات العازبات والمطلقات والارامل من غير الموظفات وغيرهم من الفئات التابعة لرب الاسرة، ويدفع المشمولين بسريان احكام هذا القانون نسبة (10%) من قيمة الخدمات الصحية المقدمة عند المراجعة وكذلك نسبة (25%) من قيمة الدواء والمختبر والاشعة والاسنان، اما اصحاب الدرجات الخاصة والعليا ومن يقابلهم من القطاع الخاص فعليهم دفع نسبة (50%) من قيمة ما سبق ذكره وبنسبة (25%) للموظفين الباقين ومن يقابلهم في القطاع الخاص عن الوضع السابق في الوصف والتحديد، ويضاف الى ما تقدم ان العمليات الجراحية لم يغفل عنها المشرع بمحاسبة المستفيدين منها كخدمة داخلة في الضمان الصحي والتي تختلف نسبة الدفع عن قيمتها بحسب المستشفى التي تقدم خدمتها اذا ما كانت خاصة اهلية او حكومية والتي تتراوح بين (10%، 25%) مع وجود الاعفاءات في هذا الجانب كما سبق في غيره اعلاه كما لا يشمل التخفيض للأجور وصولا للنسب السابقة عن عمليات التجميل الا التي تنشأ عن الحروق والحوادث وغيرها، وفي الواقع فان الالتزامات المالية على المستفيدين من خدمة الضمان الصحي هي كثيرة ومختلفة قد لا تكفي كلماتنا لتغطية مداها وما يقابلها من اثار، وبالتالي نرى ضرورة الانتقال الى التزامات الطرف الاخر المالية وهو مقدم الخدمة الصحية.
وتبعا لما تقدم يلاحظ ان القانون موضوع المقال نظم بشكل تفصيلي التزامات مقدم الخدمة وما يستتبع ذلك من تعاقد بشروط يلتزم بها اعمالا للإيفاء بالخدمات الصحية والتي سيخضع بموجبها الى نظام رقابي يوضع بالتعاون بين الهيأة والوزارة لمتابعة مدى التزام الاطباء والمستشفيات بالعناية الصحية والمتابعة والتشخيص وتحديد العلاج الوافي وبحسب حالة المؤمن صحيا من المستفيدين من الخدمة وفي جوانب كثيرة يؤدي الاخفاق والتقصير فيها مهنيا الى فرض غرامات قد تتضاعف بحسب الاوضاع والاحوال القانونية، وغير ذلك مما سبق من جزاءات متمثلة بفسخ العقد وما يتصل الى اجراءات التحقيق الاداري والفني.
ومن الضروري ان نشير الى ان الاحكام الواردة في القانون اعلاه تضمنت جوانب تنظيمية قانونية وادارية وفنية وتعاقدية لمصلحة المستفيدين من الخدمات الصحية اسوة بدول العالم الاخرى مع بعض جوانب الاختلاف وسواء كان المستفيد هو الفرد العادي ام الموظف وهو ما يتصل بحقوق الانسان للحفاظ على حياته ولكن من دون تحديد للمسؤولية القانونية المترتبة على التقصير في توفير الخدمة من جانب مقدميها عدا حالات فسخ العقد والغرامات بعيدا عن حقوق المستفيدين في هذا الجانب بحيث لم يتطرق المشرع العراقي بنصوص واضحة ودقيقة حرفيا الى مستوى الضمان القانوني لمن يتعرض الى الغبن او التقصير في حصوله على خدمات الضمان الصحي فكان الافضل باعتقادنا وجود تنظيم قانوني خاص يتفرد به التشريع لبيان الضمانات القانونية لهذه الفئة المتضررة تحديدا، ايضا ان ما يلاحظ على القانون قد جعل الالزام والاجبار على الموظف تحديدا بدفع الاشتراك والاستقطاع الشهري وعلى الراتب الكلي لا الاسمي وبخلاف ما ورد فيه للمواطنين العاديين وبغض النظر عن المقيمين في العراق فكان الافضل ان يكون اختياريا حيث ومن المؤكد وجود حالات التقصير والاخفاق في اداء الخدمات الصحية كضمان مع استمرار الاستقطاع وما قد يتطلب الوقت غير المعلوم لإيجاد البدائل بحق المستفيد المتضرر، كذلك ان موضوع الاعتراض على قرارات واعمال الادارة العامة والنشاط الصحي المعني بالقانون هو حق معترف به في اغلب التشريعات العراقية الا انه جاء قاصرا في نصوص القانون بحيث خص به جانب مقدمي الخدمة دون المشتركين ودافعي الاقساط، ثم ان الاشتراكات جاءت تصاعدية من الدرجة الوظيفية الاصغر الى الاعلى على عكس بدل الاقساط والتي وردت موحدة مع الاعفاءات من دون مساواة وضمان للعدالة الاجتماعية في هذا الجانب، اخيرا ان الخدمات الطبية والصحية قد حدد لها المشرع العراقي مدة لبدء سريانها بستة اشهر وهي مدة نراها بعيدة مقارنة بدفع الاشتراك والاستقطاعات الشهرية بحيث لم يكن القانون واضح وكان غامضا في تحديد احكام لازمة لذكرها لضمان الحقوق خلال هذه الفترة غير القليلة، وفي الواقع هنالك مواضع كثيرة لا حصر لها بمنظورنا القانوني تتطلب مناقشات وتفسير واسئلة تتطلب الاجابة عليها بحسب التنظيم القانوني الوارد في قانون الضمان الصحي المشار اليه في اعلاه والتي لا نجد ما يسعفنا لتفصيلها في هذه الصفحات وهو ما سنتركه حاليا لمناسبات اخرى لمقالات وربما بحوث ودراسات قانونية بمدى اوسع لما سبقت الاشارة اليه من تحديد ضيق، ونأمل من غيرنا كذلك التوسع في نطاقها….انتهى بتوفيق من الله تعالى.