مقارنة بين التنظيم القانوني لتحديد الاختصاصات القضائية الادارية في العراق والسعودية
م.د حيدر نجيب أحمد فائق
تضمنت التشريعات الادارية العراقية كثيرا من الاحكام التنظيمية القانونية لتحديد الاختصاصات التي تضطلع بها المحاكم الادارية سواء كانت محاكم القضاء الاداري او محاكم قضاء الموظفين الموزعة في مناطق العراق الاربع او المحكمة الادارية العليا في بغداد وما قد تحدد حصرا في قانون التعديل الثاني ورقم 106 لسنة 1989 وقانون التعديل الخامس رقم 17 لسنة 2013 لقانون مجلس شورى الدولة رقم 65 لسنة 1979 بحيث جاءت القوانين السابقة بجملة من التعديلات أو ما يستكمل بعضها للبعض الاخر من الاحكام والدقة فيها والوضوح في التفسير لتسهيل العمل من الناحية النظرية والعملية، وان ما يلاحظ في هذا الصدد ان الاختصاصات القضائية الادارية قد جاءت متنوعة ومحددة بشكل حصري بحسب نوع النشاط الذي تمارسه المحكمة الادارية وبحسب موضوع الدعوى الادارية التي تنظر من المحكمة المعنية ووفقا للنص القانوني لتحديد الاختصاص في نظر الدعاوى، ففي التشريعات العراقية الادارية قد ورد تحديد الاختصاص بنظر الدعاوى الادارية بصورة تفصيلية وبتوزيع موضوعي دقيق مع ملاحظة فصل الدعاوى التي تتعلق بالعقود الادارية والنظر فيها لغير القضاء الاداري وهو اتجاه منتقد قطعا ولعدة مبررات نتحفظ على سردها والتعليق عليها ضمن مساحة مقالنا المتواضع هذا لكثرة تفاصيلها ولتجنب الابتعاد عن موضوع المقارنة في التنظيم القانوني للاختصاصات القضائية في الجانب الاداري، فمواضيع التنازع في الاختصاص القضائي بين المحاكم الادارية العراقية وكذلك نظر الطعون التمييزية بقرارات محاكم القضاء الاداري ومحاكم قضاء الموظفين وغير ذلك ليس بكثير تكون عادة بحكم صراحة النص التشريعي هي من اختصاص المحكمة الادارية العليا، اما عن صحة ومشروعية القرارات والاوامر الادارية الصادرة عن الجهات الادارية والتي تسبب منازعات بين الادارة والافراد او الموظفين بصفتهم افرادا لا بصفتهم الوظيفية والتي لم يحدد لها القانون مرجع او الية خاصة للطعن فيها فأن اختصاص النظر فيها يكون قطعا في محكمة القضاء الاداري، ايضا ان اختصاص النظر بالدعاوى التي يرفعها الموظف على الجهة الادارية التي يعمل بها فيما يتعلق بحقوقه وضماناته المقررة بمقتضى التشريعات الادارية والتعليمات المنظمة للعلاقة والرابطة الوظيفية وما يتصل بالعقوبات الانضباطية تكون في محكمة قضاء الموظفين حصرا، وفيما يخص المنازعات الناشئة عن ابرام العقود الادارية فان حلها واختصاص النظر لهكذا منازعات هو من اختصاص المحاكم المدنية، ومما سبق الاشارة اليه بشكل عام يتضح ان اختصاص النظر بالدعاوى الادارية في العراق قد جاء بتنظيم مفصل ومتنوع بحسب موضوع الدعوى والنزاع الاداري والذي يحدد اختصاص المحكمة نفسها مع مراعاة واحترام المدة القانونية لرفع الدعاوى عموما لأنها من النظام العام، وهذا ما يختلف عن التنظيم القانوني لتوزيع الاختصاص لقضائي الاداري وحل المنازعات الادارية في النظام القضائي السعودي والذي يمثل الركيزة الاساسية كموضوع بحث لمقالنا هذا وهو ما سنوضحه في السطور اللاحقة.
تضمن نظام ديوان المظالم السعودي لعام 1428 ه جملة من الاحكام التنظيمية لكثير من الجوانب القضائية الادارية والتي من بينها التصنيف القضائي الاداري والاختصاصات ذات العلاقة بحل المنازعات الادارية، فكان هذا النظام بما احتواه من تنظيم قريب من المعمول عليه في العراق ايضا ولكن بتسميات مغايرة وبتخصص قضائي واسع لحل المنازعات قد جاء موحدا عاما ومختصرا للجهات القضائية التي تنظر الدعاوى الادارية على خلاف التنوع القضائي لنظرها في العراق، فديوان المظالم يعتبر هيئة قضاء مستقلة يرتبط بالملك مباشرة ومقر عمله في مدينة الرياض وله رئيس بدرجة وزير ونوابه وعدد محدد من القضاة اضافة الى الباحثين والاداريين وغيرهم وكما له مجلس القضاء الاداري الذي يعمل فيه جملة من الاعضاء ورئيس، اما عن نحاكم الديوان وهو ركيزة مقالنا فإنها تتكون وتتصنف قضائيا بدرجات من الاعلى الى الادنى الى المحكمة الادارية العليا ومحاكم الاستئناف الادارية والمحاكم الادارية ولكل منها رئيس واعضاء قضاة والتي تباشر اختصاصها من خلال دوائر لكل منها مع تحديد للأعضاء فيها اضافة الى جواز استحداث المحاكم من جانب مجلس القضاء الاداري بعد موافقة الملك وبحسب الحاجة وهو ما معمول به في العراق ايضا عن موضوع الاستحداث لا عن الكيفية والإجراءات نتحدث في هذا الجانب، وبعيدا عن مجال العضوية وجزيئات التشكيل للمحاكم اعلاه فان المحكمة الادارية العليا ومقرها في مدينة الرياض تختص بنظر الاعتراضات على الاحكام الصادرة من محاكم الاستئناف الادارية وفي مواضيع محدد بصراحة النص ومنها مخالفتها لأحكام الشريعة الاسلامية او الانظمة او الخطأ في تطبيقها وتأويلها او مخالفة مبدأ قضائي صادر من المحكمة الادارية العليا وعن الخطأ في تكييف الواقعة او وصفها او كان الحكم
صادر من محكمة غير مختصة او مكونة على خلاف ما يقضي به النظام وعن تنازع الاختصاص بين محاكم الديوان نفس او فيما يخص تعارض الاحكام، هذا وتختص محاكم الاستئناف الادارية بنظر الطعون الاستئنافية عن الاحكام والقرارات الصادرة عن المحاكم الادارية، اما عن المحاكم الادارية فلها اختصاصات واسعة تكاد تجمع في ثناياها التخصصات القضائية التي وجدناها واشرنا اليها في اطار نشاط وعمل المحاكم الادارية العراقية بل ربما اوسع من هذا النطاق ونخص بهذا الذكر محاكم القضاء الاداري ومحاكم قضاء الموظفين، ونلخص ذلك بان المحاكم الادارية تنظر الدعاوى الماسة بحقوق الخدمة المدنية والعسكرية للموظفين والمستخدمين والاجهزة ذوات الشخصية العامة المستقلة وورثتهم والمستحقين عنهم ودعاوى الالغاء للقرارات الادارية لعيب في الاختصاص والسبب والشكل والاجراءات او مخالفة الانظمة والتعليمات والخطأ في تطبيقها او تأويلها او اساءة استعمال السلطة وعن القرارات التأديبية او المجالس التأديبية والتي تصدر ايضا من الهيئات الشبه قضائية والقرارات الصادرة عن جمعيات النفع العام وما في حكمها وكذلك حالة امتناع الادارة عن اتخاذ قرار كان من الواجب عليها اتخاذه وفقا للقانون والانظمة وكذلك دعاوى التعويض عن اضرار القرارات الادارية والدعاوى التأديبية التي ترفع من الجهة المختصة ودعاوى العقود الادارية التي تكون الادارة طرفا فيها وطلبات تنفيذ الاحكام الاجنبية واحكام المحكمين الاجنبية وكذلك لمنازعات الادارية الاخرى ولتي لم يحدد نطاقها في هذا الجانب مما يعطي للمحاكم الادارية صلاحيات واسعة في حل المنازعات الادارية، ومن ذلك نلاحظ مستوى الحلول التي وضعت في النظام القضائي الاداري السعودي لحل المنازعات الادارية من خلال القياس بمستوى الاختصاصات الممنوحة في نظر الدعاوى للمحاكم الادارية مقارنة بالتصنيف القضائي ومستوى الاختصاصات الممنوحة للمحاكم الادارية في العراق باختلاف انواعها مع وجود تشابه في موضوعية الدعاوى والاسباب لنظرها كما مر بنا سالفا بحيث يجمع النظام القضائي الاداري السعودي مواضيع الدعاوى المرفوعة امام المحاكم الادارية اما هذه الجهة القضائية الادارية الاخيرة حصرا من دون تصنيف لمحاكم اخرة اسوة بالعراق على سبيل التمثيل.
مما تقدم يلاحظ ان حل النزاعات الادارية قضائيا هو محل اهتمام وبشكل منقطع النظير في العراق والسعودية، الا ان تفاصيل الحلول القضائية الادارية ونسبتها الى الجهات القضائية المختصة في نظرها هي تختلف في الموضوع ونوع الدعاوى وهي الاساس في تحديد الاختصاص القضائي لنظر الدعاوى، وبمنظورنا القانوني المتواضع فان الاقتصاد في الجهد والتكاليف والوقت في ظل النظام القضائي السعودي كان واضحا على نحو دقيق وخصوصا في مجال توحيد وجمع الاختصاص في نظر الدعوى ضمن اطار نشاط المحاكم الادارية من دون توزيع والتي نجدها متنوعة قضائيا في نظر مواضيعها على جهتين قضائيتين في العراق والذي قد يكون لا داعي له طالما كانت موضوعية ونوعية الدعاوى تتصل بالجانب الاداري تحديدا وسواء كانت المنازعات فردية وادارية او تتصل بالوظيفة العامة او بالعقود الادارية وغيرها من اوضاع ذات صلة بنشاط الادارة العامة المادي او القانوني ناهيك عن جانب المدد القانونية وميعاد التظلمات ورفع الدعاوى امام كلا الجهتين القضائيتين في العراق، علما ان النظام السعودي قد جاء بتصنيف اضافي لجهة قضائية استئنافية مقارنة بالعراق والذي اختصرها المشرع بأعلى محكمة ادارية للقضاء الاداري هي المحكمة الادارية العليا، وفي نهاية المطاف نأمل ان نكون قد وفقنا لخدمة العلم والتعليم القانوني في سطور مقالنا هذا…… انتهى بتوفيق من الله تعالى.