رؤية في خصوصية التنظيم القانوني لمحكمة الخدمات المالية في العراق
م.د حيدر نجيب احمد فائق
من المهم جدا التركيز في وقتنا الحاضر والتنويه على جانب النظام القضائي في العراق وما يتضمنه من محاكم قد يخفى على البعض ربما وجودها او حتى الالمام بنشاطها وصلاحياتها احيانا والتي لها تنظيم بتشريعات خاصة مالية او ادارية او ما يتعلق بغسيل الاموال والعقوبات ونشاط المصارف ومنها البنك المركزي العراقي، ونخص بذلك المحاكم ضمن نطاق نشاط محدد وهو الجانب المالي والتجاري وحتى الاقتصادي ان صح التعبير عن ذلك، ولقلة تسليط الضوء على جوانب معينة لوجود محكمة الخدمات المالية والتي تلعب دور بارز في مجال نشاط البنك المركزي العراقي وما يتعلق بتشكيل المحكمة وصلاحياتها كان هو الدافع والواعز الحقيقي من جانبنا الى توضيح التنظيم القانوني لها وما يتصل بالاجراءات الشكلية والموضوعية لنشاطها ولو بشيء مقتضب او عام، فبموجب قانون البنك المركزي العراقي رقم 56 لسنة 2004 في المواد (63-70) تحديدا منه فقد نظم الاطار القانوني او التنظيم الخاص باقامة المحكمة للخدمات المالية وتشكيلها والعضوية فيها والية الاعتراضات والدعاوى المقامة امامها والصلاحيات الخاصة بنشاط المحكمة والرقابة والطعن بقرارات المحكمة نفسها بطريق الاستئناف.
وتتشكل هيئة المحكمة للخدمات المالية وفقا لاحكام القانون السابق من دائرة او اكثر ويتضمنها مجموعة قضاة يرأسهم كبير القضاة الذي يعين من وزير العدل دون غيره، ويقوم كبير القضاة بدوره بتشكيل دائرة او اكثر وبتعيين واختيار قضاة تابعين لهذه الدوائر لنظر القضايا وبحسب الحاجة او عدد هذه الدعاوى، وان مجموعة القضاة تتكون من خمسة قضاة يكون ثلاثة منهم معينين من وزير العدل بصفات خاصة مثل المحامين والاساتذة في الجانب الاداري والمدني والتجاري وغيرهم والاثنان الاخرين معينين من وزير المالية حصرا ويكون احدهما ذو خبرة عملية في المعاملات المحاسبية والاخر ذو خبرة واسعة في المعاملات المالية، في الواقع لم يكن برأينا هناك تنظيم واضح او دقيق لهذا التشكيل ونخص بذلك ما يتصف به من تعقيد تشريعي في العضوية والتشكيل، هذا ويقع على عاتق كبير القضاة مهام كثيرة في اختيار قضاة الدوائر من حيث الخبرة والمؤهلات بما يتفق ونظر الدعاوى المعروضة وما ينصرف الى تحديد القاضي الذي يترأس الجلسة وغير ذلك مما يتعلق بالاعفاء للقاضي وبشروط محددة او بزيادة اعداد القضاة بعد موافقة وزير العدل ووزير المالية، وينظم القانون المعني هنا حالات الاستقالة للقضاة والتعيين واعادة التعيين وكيفية تحديد الرواتب وغير ذلك ولكن كان التنظيم عن الجوانب السابقة من دون تفصيل باكثر دقة واسع نطاق من المشرع العراقي وكان الافضل بمنظورنا القانوني مراعاة ذلك في نصوص القانون نفسه للشروط والضوابط والمحضورات للموظفين العاملين في المحكمة او القضاة، ولا نقصد بذلك الاتجاه اعتراضا على اهداف المشرع العراقي ولا اتجاهات واراء غيرنا ربما الان وفي المستقبل عن ذلك وانما بهدف تطوير النظام القانوني في العراق عموما وفي الجانب المالي والمصرفي على وجه الخصوص، علما ان اغلب المحضورات هي مشابهة في مصطلحاتها ومضمونها مما جاء في قانون الخدمة المدنية العراقي وقفي قانون انضباط موظفي الدولة والقطاع العام العراقي، وفي هذا النطاق بلاحظ ان وزير العدل له صلاحيات تتعلق بنشاط المحكمة من حيث مكان انعقادها وعلنية الجلسات وما يستوجب السرية في اتعقادها والظروف والاستثناءات وغير ذلك، وهذا ما يشكل باعتقادنا تدخل واضح وصريح بصلاحيات المحكمة واستقلاليتها وتقييد لولايتها ربما كان الاجدر مراعاة تعديل القانون عن ذلك.
محكمة الخدمات المالية انما تمثل في حقيقتها هيئة قضائية مستقلة لانها تتكون من قضاة مستقلين ولا يجوز لغيرها من المحاكم العراقية التدخل في نشاطها وهي تنظر في الاوامر والقرارات الصادرة عن البنك المركزي العراقي عدا ما يتعلق برسم وتطوير السياسة النقدية لنشاط البنك المالي في العراق مثل اسعار الصرف للعملات الاجنبية او ما ينصرف الى نظر القضايا التي يقرر القانون لها عقوبة السجن لان الموضوع يدخل في اختصاص وزير العدل وغير ذلك من موانع لنظر القضايا والرقابة من جانب المحكمة نفسها، ولها صلاحيات النظر باجراءات وقرارات البنك المركزي والمؤسسات المالية عن رفض طلب التصاريح والتراخيص او حالات الغائها وفرض الاجراءات التنفيذية والعقوبات الاداري بمقتضى القانون ومنع مزاولة النشاط وما يخص التجاوز الحاصل من الحارس او القيم لصلاحياته وكذلك نظر النزتعات الناشئة بين المصارف والمؤسسات المالية على ان يكون النظر بناء على الاتفاق بين اطراف النزاع وما يتبع ذلك من اجراءات استئناف ولا يجوز للمحاكم الاخرى العراقية النظر في الدعاوى الداخلة في اختصاص المحكمة المحددة سابقا وهذا ما يوحي الى المنع والحضر التشريعي الصريح من التدخل في ولاية هذه المحكمة الحصري مع بقاء قرارات واوامر البنك المركزي العراقي نافذة المفعول لحين صدور حكم المحكمة للقضاء منها بخلاف ذلك مثل الغاء القرار او تعديل العمل الاداري او سحبه من الجهة مصدرة القرار وغيرها من اوضاع قانونية تكون سبب لوقف نفاذ القرار الاداري مؤقتا وهذا ما ينسجم قطعا مع المبادئ والاحكام العامة لوقف نفاذ القرار الاداري، الا ان القانون لم يشر صراحة الى امكانية تقديم طلب الى نفس المحكمة عن ايقاف القرار الاداري ولائيا وكان الاجدر في هذا الجانب الاشارة لذلك باعتقادنا لاهمية الموضوع وتعلقه بمصالح الافراد من ذوي المهنة المالية والقانونية، ونكتفي بهذا القدرلتجنب الاطالة وترك ما تبقى من تفسير وتوضيح واجتهادات لغيرنا من الباحثين والمختصين بما ينفع العلم والتعليم وما يتصل بتطوير النظام القضائي العراقي والنشاط المالي ايضا، كما ان للمحكمة صلاحية استدعاء الاشخاص وطلب الوثائق والبحث في الادلة للوصول الى كشف الحقائق ومن ثم سيادة القانون والعدالة ولها في ذلك صلاحيات العقاب بخلاف ما تقدم من تأخير او التلاعب والتغيير بالمستندات او عدم المثول امامها في الوقت والموعد المحدد من الاشخاص المعنيين بطلب حضورهم من اطراف النزاع او الشهود وغيرهم.
اما عن صلاحيات محكمة الخدمات المالية فهي واسعة النطاق ومتنوعة وسواء كانت قرارات قضائية او مراجعة لقرارات واوامر البنك المركزي والتي سنحاول اختصارها بان قراراتها تصدر بالاغلبية وموقعة ومسببة بحكم صراحة النص القانوني وان يتم التبليغ بها لاطراف الخصومة ولكن من دون تحديد للمدة على ان يكون التبليغ باسرع وقت ممكن وهذا ما يؤخذ ايضا من قصور في هذا القانون، كما ان للمحكمة وبغض النظر عن اي حكم اخر يصدر عنها صلاحية التعويض المالي ورد المصروفات ودفع الفوائد لاحد الاطراف، ويقوم المتضرر عادة من قرارات البنك المركزي العراقي بتقديم طلب يلتمس فيه من المحكمة مراجعة هذه القرارات وفي خلال 30 يوم او باقل من ذلك من تاريخ صدور القرار وبعد تسجيل الطلب ترسل نسخ الى اطراف القضية وتحديد لموعد الجلسات، وكما ذكرنا ان القرارات والاوامر تبقى سارية في نفاذها لحين صدور قرار قضائي بالغائها او تعدل او تسحب من الجهة مصدرة القرار وكلك للمحكمة اصدار قرار بايقاف تنفيذ الامر او القرار اذا وجدت ان الظروف الاستثنائية تدعو لذلك او ان التنفيذ سيعود بضرر ومشقة على المتضرر او اذا وجدت ان اجراءات الدعوى تسير نحو الحكم لمصلحة المتضرر وحسنا فعل المشرع العراقي بهذا الاتجاه حيث لم يشترط تقديم طلب بذلك، وفي الواقع ان نظر الدعوى من المحكمة مقيد بشروط نص عليها القانون الا انها بمنظورنا واسعة بمضمونها ولعل من ابرزها هو حالات التعسف باستخدام السلطة في اصدار القرارات والاومر المصرفية وما يتعارض مع الاجراءات التي تضمنها القانون وكل ما يدخل بعيب الانحراف بالسلطة وما يستتبع ذلك من مواعيد وفترات نفاذ القرارات والاوامر او انتهائها.
اخيرا لا بد من الاشارة الى ان المشرع العراقي في هذا الجانب له اتجاه ودور محمود في اثاره حيث احاط اطراف الدعوى المنظورة امام محكمة الخدمات المالية بحصانة وضمانات قانونية اخرى تتلخص بحق الطعن والاعتراض على قرارات المحكمة السابقة امام محكمة الاستئناف ووفقا لشروط والية خاصة يجب الالمام بثناياها اعمالا بمبدأ المشروعية القانونية وسيادة القانون، فكل طرف من الخصوم في الدعوى له الحق بالطعن امام محكمة الاستئناف التي سيكون قرارها هو الفيصل الحاسم لحل النزاع وتبقى احكام محكمة الخدمات المالية سارية النفاذ لحين القضاء بالغائها بطرق الاستئناف والذي تتركز نتائجه على رد الدعوى الى محكمة الخدمات المالية او القضاء بالغاء حكمها بالاساس، وينصرف التشريع المعني ايضا الى تحديد اسباب الطعن الاستئنافي ومنها عدم الاختصاص او تجاوز الاتفاق بين الاطراف او لغياب الادلة او عدم مشروعيتها او لمخالفة المحكمة لنصوص القانون، ويلزم القانون الطاعن بتقديم طعنه الاستئنافي في خلال 30 يوم من تاريخ الاعلام بقرار محكمة الخدمات المالية او بتواريخ اخرى لحالات اخرى تتعلق بالتزوير وغيرها، وخير ما يقتضي التنويه اليه هنا وننهي به الصلاحيات اعلاه ان استحصال قرار بتنفيذ الحجز على اموال البنك المركزي او الايرادات او الممتلكات وغيرها لا يتم قطعا الا بوجود حكم او قرار قضائي نهائي صادر من محكمة الخدمات المالية او محاكم القضاء العراقي الاخرى، وهذا ما يؤكد ويثبت امكانية الحجز على اموال الادارة العامة المالية والتجارية لضمان حقوق الاخرين واقتضاء الديون المترتبة عن مسؤوليتها حصرا باعتبار ان البنك المركزي العراقي او المؤسسات المصرفية التابعة له قد تكون عرضة للمسائلة عن التقصير ومن خلال الحجز على الاموال العائدة لها برغم كونها جزء لا يتجزأ من مكونات الادارة العامة، كما يمكن ان يقاس ذلك على اموال الشركات التجارية العامة ايضا بمنظورنا القانوني تبعا لذلك… انتهى ومن الله تعالى التوفيق.