مقالة بعنوان "تجزئة الحراسة أو حراسة التكوين (البنية) وموقف جريء للقاضي اللبناني"
لكاتبه: المدرس المساعد محمود عادل محمود.
تفترض فكرة تجزئة الحراسة أنَّ عيباً في التكوين أو بنية يصيب المنتَج محل الاستخدام يسبب اثناء استعماله ضرراً للغير، حيث أن فكرة الحراسة المتقدمة ترمي إلى إبعاد المسؤولية عن الحارس الفعلي للمنتَج – بسبب العيب – لترجع هذه الأخيرة (المسؤولية) على المنتِج (الصانع) بإعتباره حارساً للتكوين، استناداً على نظرية تجزئة الحراسة.
فقد يستلم الانسان شيئاً فيستعمله وفق الاصول، الا أنه بسبب وجود عيب في تكوينه يحدث ضرراً للغير، ومثال ذلك انفجار قارورة غاز أو قنينة سائل فوار بسبب عيب في صناعة هذه القارورة/ القنينة أو حصول خلل في تعبئتها، حيث تتحمل في هذه الحالة الشركة المصنعة مسؤولية الاضرار الناشئة عن حصول عيب في تصنيع المنتجات المذكورة انفاً استناداً على فكرة تجزئة الحراسة.
ومن الامثلة الواقعية التي نسوقها على الفكرة المتقدمة ما حدث مع سيارات (Toyota – Camry) التي حصل بها عيب في الفرامل الخاصة بها، حيث اضطرت الشركة المصنعة إلى سحب معظم السيارات المعيبة، خوفاً من حصول حوادث تعزى مسؤوليتها اليها.
ويلاحظ في هذا الصدد، أن المشرع العراقي واللبناني لم يشر أيٍ منهم بشكل مباشر إلى هذا النوع من الحراسة، إنما فقط تم الاكتفاء بالاشارة إلى حراسة الاستعمال الفعلية، ودليل ذلك ما اشارت إليه المادة (231) من القانون المدني العراقي التي نصت على أنه: "كل من كان تحت تصرفهِ آلات ميكانيكية أو اشياء أخرى تتطلب عناية خاصة للوقاية من ضررها يكون مسؤولاً عما تحدثهُ من ضرر مالم يثبت أنه اتخذ الحيطة الكافية لمنع وقوع هذا الضرر.."؛ والمادة (131) من قانون الموجبات والعقود اللبناني التي نصت على أنه: "أن حارس الجوامد المنقولة وغير المنقولة يكون مسؤولاً عن الاضرار التي تحدثها تلك الجوامد حتى في الوقت الذي لا تكون فيه تحت إدارتهِ أو مراقبتهِ الفعلية، كالسيارة وقت السير أو الطيارة وقت طيرانها أو المصعد وقت استعماله".
وترتيباً على ما سبق ذكره، تبقى كلمة الفصل لمثل هكذا مواضيع خاضعة للمحاكم المدنية التي ربما تعرض عليها واقعة تواءم ما ذكر انفاً، سيما واذا اخذنا في الاعتبار أن القاضي المدني وبالاستناد على ما ورد في المادة (30) قانون المرافعات المدنية العراقي النافذ، والمادة (4) من قانون اصول المحاكمات المدنية اللبناني النافذ، لا يمكن له أن يمتنع عن الحكم في آي دعوى مدينة بحجة غموض النص أو فقدانه والا اعتبر ممتنعاً أو مستنكفاً – بحسب تعبير المشرع اللبناني – عن احقاق الحق.
وقد تسنَّى للقضاء الّلبناني الفصل في هذا الموضوع وقول كلمته هذه المسألة، ففي قضية تتلخَّص وقائعها في أنَّ هناك امرأة كانت تعاني من مشاكل في قلبها، فُعيِّن لها موعد لإجراء عملية قسطرة للقلب، وأثناء العملية، وبسبب وجود عيب في تكوين الجهاز الّذي تمَّت العملية بواسطته، حصل لها أضراراً جوهريَّة، أدَّت إلى إصابتها بحالة شبيهة بالشلل، حيث حكمت الغرفة السادسة لدى محكمة الدرجة الأولى في بيروت مسؤوليَّة الشركة المُصنِّعة، على أساس نظرية تجزئة الحراسة (حراسة البنية)؛ حيث أشارت في معرض حكمها إلى أنَّه: "إلى جانب حراسة الاستعمال المترتِّبة على الحارس مسؤوليَّة عن الأضرار الّتي يحدثها الشيء الّذي يكون تحت إدارته، ورقابته، وسلطته، أرسى واقع التعامل بين الناس قواعد حراسة البنية، وهي حراسة تنشأ عندما يستلم الشخص شيئاً فيستعمله وفقاً للأصول، إلاَّ أنَّه، وبسبب عيب في بنيته أو تركيبه، يُحدث ضرراً للغير، وتُعرف هذه الحراسة بحراسة البنية".
المراجع:
1- الاستاذ الدكتور: مصطفى العوجي، القانون المدني (المسؤولية المدنية)، ج2، ط4، منشورات الحلبي الحقوقية، بيروت، 2009، ص 562.
2- حكم قضائي صادر عن الغرفة السادسة لدى محكمة الدرجة الأولى في بيروت، ذي العدد 144، بتاريخ 14/11/2011، منشور في مجلة العدل الصادرة عن نقابة المحامين في بيروت، العدد الثالث، 2012، ص1496.