نظرة في التنظيم القانوني للاعتراض الإداري على قرارات الإدارة الكمركية العراقية
م. حيدر نجيب أحمد فائق ahmed.haider2016@mail.ru
يلاحظ وبشكل لا يقبل الشك بان معظم التشريعات العراقية النافذة وبغض النظر عن أوصافها وتسمياتها القانونية قد تضمنت الية للاعتراض أو الطعن بأعمال الجهات المختصة لما يصدر منها من قرارات وتصرفات وإجراءات يعتقد صاحب المصلحة بعدم مشروعيتها لمخالفتها القانون والتعليمات أو للظلم المتحقق من آثارها وغير ذلك من أحوال وأوضاع قانونية، أما عن التشريعات التي لا ترسم ولا تنظم الية الطعن في القرارات الإدارية على وجه الخصوص فستكون قطعا من اختصاص محاكم القضاء الإداري في نظرها وفقا للآلية التي تحدد شروطها وإجراءاتها عند الطعن بها في القوانين ذات العلاقة، وفي مجال الضريبة نلاحظ أن التشريعات الضريبية العراقية النافذة قد حددت أيضا ونظمت الية خاصة للاعتراض الإداري على القرارات والإجراءات وأعمال المسؤولين العاملين في الإدارة الضريبية، إلا أن هذه الآلية جاءت على نحو مختلف في الأحكام تبعا لنوع التشريع الضريبي والمجال الخاضع للتنظيم فيه مثل (قانون ضريبة الدخل والعقار والعرصات الذي تدخل أحكامه للاعتراض ضمن القانون الضريبي العقاري نفسه، وغير ذلك).
ومن بين التشريعات العراقية ذات العلاقة المباشرة بأصل مقالنا المتواضع هو قانون الكمارك رقم 23 لسنة 1984 المعدل والمنشور في الوقائع العراقية بالعدد 2985 في 19-3-1984 والذي ينظم العلاقة القانونية بين هيئة الإدارة العامة للكمارك وبين صاحب الشأن ويحدد شروط وإجراءات الاعتراض الإداري على القرارات الإدارية بهذا الشأن ومدته ومداه ومواضيعه وان كان هذا القانون متصلا بالضرائب غير المباشرة مع منع المحاكم العادية والإدارية من نظر هذه الطعون والاعتراضات المتعلقة بالكمارك صراحة، ومن باب التنظيم للاعتراض يقضي هذا القانون في الفصل الرابع منه بتشكيل هيئة أو اكثر بحسب الحاجة تختص بنظر الاعتراضات ضمن هيكلية الدائرة الكمركية ويحدد عددها من قبل وزير المالية حصرا ومراكزها ودوائر اختصاصها وغير ذلك، ولم يعطي القانون هذه الصلاحية السابقة بالتخويل لغير الوزير بصراحة النص القانوني، وهي هيئات شبه قضائية برأينا كونها تتكون من عضوية قاضي من الصنف الثالث على الأقل وآخرين من ذوي الاختصاص الكمركي والتجاري وهي ليست بحكم المحاكم المستقلة، كذلك يحدد المشرع العراقي المواضيع التي يمكن الاعتراض عليها والتي يسعى صاحب الشأن لإعادة النظر فيها من الجهة المختصة ومنها القرارات المتعلقة بتقييم البضاعة وصفاتها وجودتها ومنشأها دون غيرها، ونعتقد بقصور النص القانوني بهذا التحديد السابق مقارنة مع المجالات الواسعة التي ينظمها القانون المعني والتي يمكن تصور نشوء النزاعات عنها عمليا ولم يرد أيضا ماهية المعايير المعتمدة للمجالات السابقة يجب اتباعها من جانب إدارة الكمارك، ويجب على المكلف أن يعترض خلال مدة 7 أيام تبدأ من تأريخ التبليغ بالقرار الإداري المعني بالاعتراض، وبذلك على الإدارة يقع عبء إثبات واقعة التبليغ لما لها من أهمية بالغة لامتداد مراحل الاعتراض وشروطه وحماية المصالح المادية والقانونية للمكلف الكمركي والإدارة على حد سواء اذا ما نشأ النزاع بين الطرفين، ولم يوضح القانون مدى إمكانية الاعتراض بعد مضي هذه المدة اذا ما تحقق سبب قانوني أو وجدت معذرة مشروعة مع ما يؤيد ذلك من وثائق، ويبدو أن المشرع هنا قد حسم الأمر بالمنع في الإطالة طالما كان هنالك تحديد حرفي ولفظي وتقييد لمدة الاعتراض ومن دون التطرق إلى أوضاع قانونية أخرى تتعلق بهذا الجانب، وكان الأفضل برأينا مراعاة ذلك أو بتمديد المدة لفترة أطول على الأقل أسوة بالمواعيد المحددة للاعتراض في تشريعات عراقية أخرى مقارنة ومن دون تعطيل للمصالح الإدارية الكمركية، كذلك يلاحظ أن قرارات الهيئة الاعتراضية هي قطعية لا يجوز الاعتراض عليها أمام جهات أخرى وخصوصا للمواضيع السابقة التي اشرنا اليها، وفي ذلك مؤاخذة من جانبنا على هذا التقييد النافي للتوسع في الضمانات القانونية للمعترضين خصوصا اذا ما علمنا إن هيئات الاعتراض هي غير مستقلة تماما عن إدارة الكمارك وصلاحياتها في تحديد الغالبية من مواطن نشاط نفس الهيئة عند البت بالاعتراض وهذا ما لا يستبعد فيه التأثير عند ممارسة نشاطها ومنع المحاكم العراقية من نظر قضايا الكمارك واحتمالية توفر التعسف باستخدام السلطة في هذا الجانب، أيضا من يرد اعتراضه سيتحمل كافة النفقات والمصاريف ولكن بعد البت باعتراضه والرفض، ولم يتطرق المشرع القانوني مثل بقية التشريعات الأخرى عن شكلية كتابة الاعتراض وبذلك يكون الاعتراض في اطار أي نمط شكلي مقبول قانونا، خصوصا وكما ورد الإشارة بذلك إن المشرع العراقي يعطي صلاحية وسلطة تقديرية لإدارة الكمارك في تحديد الإجراءات والقواعد الواجب اتباعها من جانب هيئات الاعتراض ومن بين ذلك باعتقادنا صلاحيتها في تنظيم شكليات الاعتراض حيث لا يوجد نص يقضي بخلاف ذلك صراحة في نفس القانون المعني، ومن هذا المنطلق نرى أن الاعتراض يستلزم في كتابته توافر الشروط العامة لقبول النظر فيه من حيث الوضوح والدقة في المعنى والطلبات وصفة القرار المعترض عليه والجهة التي صدر عنها وان يكون مجديا ويقدم خلال المدة المحددة قانونا مع الوثائق والمستندات المؤيدة للاعتراض وغير ذلك، ويعتبر قرار الإدارة الكمركية قطعي غير قابل للطعن فيما يتعلق بفرض ودفع فرق الرسوم التي تقع على عاتق المكلف صاحب العلاقة وبحدود قيمة محددة إضافة إلى القرارات التي تتصل بمنع البضاعة وبحدود مبلغ معين أيضا، وعلى اثر التعديلات القانونية التي طرأت على مبالغ الرسوم حديثا والمتغيرات نرى ضرورة السماح بالاعتراض على جميع القرارات النهائية الإدارية الصادرة عن إدارة الكمارك ودوائرها من خلال تعديل النصوص القانونية ذات العلاقة وخصوصا إن الموضوع متعلق بآثار مالية واقتصادية تنصرف إلى تحقيق مصلحة طرفي العلاقة القانونية الكمركية في العراق مع تحديد للمعايير اللازمة في التقدير للفروقات والمنع لتجنب المماطلة والتسويف والتعسف باستعمال السلطة أو التهرب والاحتجاج بعدم الدفع، ويضاف لذلك التنظيم والحكم بالقطعية للقرارات الإدارية الكمركية تحديد قبول نظر الاعتراض فقط عن البضائع الموجودة فعلا تحت رقابة إدارة الكمارك ومن ثم لا يقدم الاعتراض بخلاف ذلك، ومع ذلك يسمح المشرع العراقي وبأمر من الإدارة الكمركية المعنية بتسليم البضاعة قبل انتهاء أعمال الهيئة الاعتراضية مقابل إجراءات وتعهدات اذا كان وجودها غير لازم إلا اذا كانت معرضة المنع.
وفقا لما سبق توضيحه، يتوقف المشرع العراقي بتحديد إحكام الاعتراض الإداري على القرارات الإدارية الكمركية وهي على نطاق ضيق جدا باعتقادنا، ومن دون مراعاة لأوضاع وحالات أخرى كان الأجدر تنظيمها من باب أولى فتركها لصلاحية وتقدير الإدارة العامة للكمارك مع وجود موانع للاعتراض وغياب المعايير القانونية التي من الممكن اعتمادها في ممارسة النشاط الإداري الكمركي الخاصة بإجراءات الاعتراض الإداري.